الاثنين، 10 أكتوبر 2016

آتيكم من امري إدّاً


آتيكم من امري إدّاً 

الي ابن دوحتنا عبد الله علي ابراهيم[/size] 



24 يوليو 2013 هاتفني زميل (مشترك) بين عبد الله وشخصي، وفهمت من المكالمة ان هناك رسالة من عبد الله لشخصي، وكلنا، الزميل المشترك وعبد الله وانا تجمعنا هموم العمل العام، والثقافي، غير ان عبد الله افقهنا وافصحنا، واكثرنا دربة في مجال الكتابة بنوعيها : الاكاديمية والابداعية. 
وفرحت بخبر الرسالة وبمرسلها، كونها امراً إدّا(*)، إذ هي المرة الاولي، خلال اربعين عاماً تصلني رسالة من عبد الله! خاصة وانني كنت بحاحة الي جرعة فرح لروحي وبدني، كوني خارج قبل اقل من سبعة اشهر من علّة استهدفت بدني بكل ما يحتويه من شعر ورسم وكتابات وصداقات. وربما زادت جرعة المعافاة ذلك اليوم، فكون وصول رسالة لي من عبد الله، هذا هو الإدُّ الحقيقي يا عبد الله،وليس «.. إفتتاحية مجلة المصور وآخر ساعة» واللتين ذكرتهما في ما ذكرت من كرامات سعد امير التعليمية. ولولا ان استاذنا سعد امير احتفظ بكراساتنا (للمتفرقات)، هكذا كان يسمها، لكان عندي ما يثبت امام ظنونك، انني لم آتِ امراً إدّا، ولنجوت من تهمة غليظة في حقي وفي حق استاذي! هل ابهت استاذي بعد كل الذي كتبته عنه، والذي استوقفك؟ ام ان وراء هذا الإدّ امرٌ مسكوت عنه لضرورة فقهية؟ الله اعلم 
وصلتني فعلاً الرسالة(****)، والتي توهمتها اولاً رسالة خاصة؛ وكذلك فعل بدني، ـ والتي لم اعثر لها علي اثر مما اذاع عبد الله من مكاتيب ـ وعند قراءتها تبين لي انها خلوٌ من الخصوصية التي توهمتها ( كونها خاصة، وغير خصة) علي صيغة حلو مر، الخوصوصية والتي عبر عبد الله عنها ذات كتابة لما الصاحب يلقي الصاحب....» فهو لم يذعها ؟ فقلت لنفسي: لعلها من العموم الذي في مكان الخصوص! خاصة وانا رجل كنت اعتقد في عبد الله هذا قبل ان التقيه كبشر يأكل الطعام، ويمشي في الاسوق، ويحادث الناس ويكتب. 
عرفته اواسط ستينات القرن الماضي، من الصفحة الاخيرة من جريدة «الصحافة»، وكنت اتباهي بحفظ ما يكتب علي مسند القلب، حيث كانت سلطة كتاباته آسرة. 
بذلك فرحاً بمعقتدي فيه.. ومنذ ذلك الزمن «الجميل» اصبحت لي نسختي الخاصة من عبدالله، والتي قد يشاركني فيها قراء متفرقون، ولكننا شباب تلك الأيام كنا على قناعة بفرادته الأدبية، والتي تجبرنا على حفظ مكاتبته وملاحقتها في مظانها. 
في ذلك الزمان كان عبدالله يكتب، وكنت أقرأ وهذا ما يميز زمالتنا، فأنا من هذه الناحية، آراه أكثر مما يراني، واعرفه اكثر مما يعرفني كان يراني تشكيلياً بشعر (قجة) وذقن معشوشبة عاكساً الأثر «غزارة في الانتاج وعدالة في التوزيع» وخرتاية، فيها متاعي المعرفي، وربما كانت فيها بعض مكاتب عبدالله. كانت هذه صورتي لدى عبدالله، على الرغم من أنني كنت أكتب وارسم ولي غوايات أخرى كثيرة، ولكن عبدالله لم يحتفظ إلا بصورة «التشكيلي» والتي وصفني بها في كلمتيه بتاريخ 4 أغسطس «2013 سعد أمير: هذا سحُرُ يؤثر»(** ) الرابط 
وفي كلمة الثانية الموجهة لي، والتي حيرني تصنيفها، وأكثر حيرني مرماها. 
نعم أنا تشكيلي، تخرجت في كلية الفنون، وبشهادتي من الكلية، أكسب عيشي ولكن يا عبدالله صدقني أن مناهج كلية الفنون لم تزد على ما زودني به سعد أمير طه من معارف تشكيلية وفي كلمتي تلك، إشارة لهذا. 
ثم أن عبدالله مثقف بمكانة عالية لدى، ولكنه درس الانثروبولجي.. ونال فيها الشهادات الكبيرة، على لغة الأفلام المصرية ولكني لم اخاطبه يوماً بالانثروبولي عبدالله ولاحد غيري قرأت له هذا النوع من المخاطبة، كما إني لم أقرأ يوماً لعبد الله في مخاطبته احد أصدقائنا التشكيليين «بالتشكيلي» هذا ما دفع الاسئلة في رأس، هل يا يترى هذه التشكيلي مدح؟ أم ذم؟ مندري، على لازمة صديقنا حسن محمد موسى. 
الأكثر، وخلال الـ (04) عاماً التي ذكرها عبدالله. لم اقرأ له كلمة عن التشكيل، أو عند أحد المشكلين استوقفه عمله.. نعم يا عبدالله أنا تشكيلي، ولكن بغوايات متعددة، ولم أكتب ما كتبته عن سعيد امير بهذه الصفة، ولكن بصفة الكاتب، والذي الكتابة إحدى غواياته، وكأني بك تستكثر على تشكيلي مثلي أن يكتب، خاصة وأن علاقتينا تسير على متوازين، أنا قارئ يعتقد في كاتبه، ويصِفُّه ضمن اللائحة القصيرة (الطويلة) لكتاب ذائقته القرائية، وألاحق مكاتيبه، وأنت تراني التشكيلي أب تفة و(خرتاية)، ولم تجهد نفسك يوماً أن تعرفني. على الرغم من انني حاولت أكثر من مرة لفت نظرك إلى غواياني الأخرى والتي قد «تقرب المسافات» بيننا -: 
1/ في أوائل هذا القرن الحادي والعشرين، وأنا اتسقط أخبارك. عرفت أنك في الإمارات، وإن لك نشاطاً في الشارقة. سعيت ذلك اليوم إليك، وكان في معيتك.. العبيد أحمد مروح، المسؤول الإعلامي بقنصليتنا في دبي. كان همي أن أجد النسخة التي تخصني من عبدالله، وأن أُمَكِّن تلك الصورة بإهدائه كتابي الأول «سهو الآتي» ولكن خابت آمالي، حيث كان نسختي القديمة مغايرة تماماً للنسخة التي لقيتها تلك الامسية. لم أحس بدفء الاحضان ولا بحميمية اللقاء، ولجأت للتسامح النصرانى! 
2/ ثم ومرة ثانية جاءت صديقة مشتركة. وحملتها كتابين لك «سبابة وقافلة وترجمتها محاولة لتصريف فعل ماضى»والتي وكتب أهداءها لمعلمي سعد أمير طه. و«مكاتب النور للحمر - الجزء الأول»
ولكنك لم تلتفت، حتى ظننت أن بك (عسماً) او حساسية من الإلتفات، فعرفت أن برنامجك القرائي ليس فيه فسحة لكاتابات امثالي، وهذا وارد ومشروع. 
كل ذلك لم يمنعني من ملاحقة نسختي الخاصة من عبدالله، وقراءة كل ما يقع تحت يدي من مكاتيبه، على الرغم من أن مكاتيبه التي اسست ايْقَنَتَه عندي ، كانت أدبية بامتياز، ومن الأدب الرفيع، والذي يوافق مزاجي القرائي، غير أنني افتقد تلك الرائحة، في مكاتبته الأقرب حداثة، فسبحان مغير الأحوال، على أنني عدت بعد هذا الزمن لإعادة قراءة تلك الرسالة التي عجزت عن تصنيفها، وعلى ضوء ما لحق بنسختي من عبدالله من تحولات، خاصة وأنه في رسالة سعيد أمير طه اتخذني عتبة ليعيد نشر كتابة قديمة بعنوان: «سعد امير طه: هذا سحر يؤثر» بهذه الصيغة التي تخلو من حميمة ومن رائحة الزمالة المتطاولة لـ 40 عاماً: «(كتب التشكيلي النور أحمد على عن ذكرياته في مدرسة النيل الأبيض الثانوية في الستينات كان مدارها أستاذه سعد أمير طه وطرائقه العجيبة في التدريس بغير التفات للمقرر. وأثار ذكريات لنا مع سعد الذي درّسنا اللغة العربية في عطبرة الوسطى. وهذه كلمة قديمة عن هذا المعلم ممن أسمي رهطه بخت الرضا المضادة) 
....» 
ووفي الثانية ( الرسالة): «فوجئت بعد نحو 40 عاماً من الزمالة، بأنني والتشكيلي النور أحمد علي ننتظم في سلسلة واحدة أصلها دوحة المرحوم سعد أمير طه: المعلم من طراز فريد. فلم يأت ذكره على لساننا قط حتى كتب قبل أيام بمنبر «سودانفورأول» عن خيال سعد التربوي » 
ما عنصر المفاجأة يا عبدالله؟ وهذا يؤكد: أنني أعرفك، وأنت تعرف (كونتور) النور أحمد علي، أنا اقرأك فأراك، وأنت لا تقرأني ولذلك لا تراني ولا تعرفني. 
نحن يا عبدالله كنا عندما نلتقي، نرغب أن نحصل الفائدة القصوى من رجل هو كاتبي المفضل، وأميز المثقفين الذين أثروا ذائقتنا الثقافية، وأغلبها كان قعدات مزاج تكون انت فيها فاكهة، ونحن المتناولون؟ ولذلك لم تفتش من ما عند هؤلاء الشباب من متاع؟ 
ربما 1982 لقيتكما أنت وعبدالله جلاب أمام مدخل مصلحة الثقافة، وقفنا تبادلنا بعض الكلمات والضحكات، وسألني خلاب عن نص «نشيد المغارة» وكان قد نشرته مجلة »الثقافة السودانية« كلمني بإعجاب بذلك النص، ونظرتك في عينك، قلت هذه فرصة أن يعرف عبدالله بعض غواياتي، ولكن يبدو أن ذهنك كان مشغولاً بما هو أهم.. ولذلك وحتى عندما سألني جلاب إن كان ذلك هو (النص المفتوح)، لم أجب احباطاً، وعدم رغبة في الإجابة، فأنا لم أكن، وحتى اليوم أكتب تحت عناوين معينة للكتابة، حتى أنني بدأت أشك أن كان ذلك النص ـ نص سعد امير ـ قد وصلك كفاحاً من سودان فور أول، أم عبر طرف ثالث نبهك إليه؟ 
ثم ذهبت «لم يترك النور فرضاً ناقصاً في دعم نظريتي.....؟» يا عبدالله، هل تستكثر أن يكون «التشكيلي» قادر علي اختراع نظرية، في شأن معلمه؟ أولاً يا عبدالله، أنا لم أقرأ نظريتك تلك، ولا اعرف فرائضها ولا سننها، ولا نوافلها، أنا كتبت بصدق، تجربة وجودية مع معلم ظاهرة، كنت صادقاً يا عبدالله ولم أدع أنني اكتشف نظرية في التعرف إلى معلم من معالم التربية في ذلك الزمان وعن فرادته التربوية. 
وفي شأن الإد الذي استوقفك؟ هل هو فعلاً إدُّ (مقدمتي المصور وآخرساعة) واللتين ذكرت ضمن ما ذكرت عن مآثر معلمي واستاذي؟ ام هو دُّ ان يكتب احد غيرك كتابة مميزة عن استاذنا (سعد امير طه)؟ يا عبد الله، دوحة سعد اميردوحة نادرة، اشبة بصور الديني عن شجر الجنة،«لكل مدينة من تلك المدائن ثلاثة آلاف الف الف الف مرج،في كل مرج مائةروضة، وفي كل روضة مائة حديقة مائة الف شجرة علي كل شجرة مائة الف نوع من الثمر علي كل ثمرة مائة الف نوع من نواع الورق، وقد خلق الله سبحانه علي كل ورقة سريراً يرحلون الي اهلهم عليها ، فإذا وصلو إليهاتطأطأت الاشجار حتي تبقي رؤوسها علي وجه الارض، فيصعدون الاسرةويجلسون فيها، فكلما جلس منهم واحد ارتفعت الورقة عن وجه الارض، فلم تزل ترفع ورقة بعد الاخري حتي يتكامل القوم الذين يريدون الصعود والمبيت......)(***) دوحة كهذه ينتظمها الكثير، وينال من خيرها المعرفي الكثير كلٌ حسب كدحه. 
او كنت تري ان كل من يكتب عن (حكرك)، يجب ان يخرج من معطفك، وان يشير الي تفرد ما تكتبه! وهذا هو الإدُّ 
عبد الله ان لسعد امير طه جنود من تلاميذ اوفياء لسيرته ومساره التربوي، انت لا تعرفهم، وانا اولهم. انك تدفعني دفعاً يا عبد الله لهذه (الانا!) والتي لا احبها، ولكنها الضرورة التي تبيح المحظورات. 
لقد كنت ايقونة ثقافية لنا علي عهد الصبا، وإذا كنا نحفظ ما تكتب، ليس بغرض التلاوية، ولا نقدس ما تكتب. اما اليوم، فنحن نقرأ ما تكتتب، ونتدبر ما تكتب، وقد نرتاب، ثم نتيقن، ثم ننظر اين تنظر، واين (تشوت؟ 
(يا زميل)، كلمتك القديمة عن سعد امير طه: سحر يؤتي، لم تستوقفني، كما كانت تستوقفني كتاباتك علي عهد الشاب، رغم بلاغة العنوان والمغرية لكل من يقرأه، في الوقت الذي استوقفتني كلمتي عن استاذي سعد امير كما استوقفتك. مرة ثانية، وبقانون الضرورة : ان كلمتي عنه، لا لا تقارن بكلمتك القديمة! 
اما إذا كنت تعتبر ان كتابتي عن سعدامير هي الامرُ الإِدُّ؟ فلله الامر من قبل ومن قبل؟ 
وكلمتي وكلمتك منشورتان علي المشاع الثقافي، وكل القراء حشاشون، ولكلٍ شبكته. 
يا عبدالله سأخبرك إداً ثانياً: أنا أصدقكم وأأمنكم على سيرة استاذي سعيد أمير طه، وهذا من فيك «فلم يأت ذكره على لساننا قط، حتى كتب قبل أيام بمنبر «سودانفورأول» عن خيال سعد التربوي ..». 
وأنا استحضر سعد أميراً حضوراً صاحياً، كلما قرأت وكلما كتبت، ولم أهده كتابي الثاني اقتداء بنظريتك المزعومة، اللهم إلا إذا كان ذلك اعتماداً على مكانتك الأكاديمية والتي تسمح لك باختراع النظريات. 
يا عبدالله أنا ما زلت أكتب عن سعيد أمير طه، وإن لم ارقم فهو دائماً يشغل الخاطر، كون لحم اكتافي الثقافي من خبراته. 
بقي أمر، أرجوك أن تعينني عليه وإن بدا لي إداً؟ سعيد أمير جاء من القاهرة في صندوق، وهذه أول مرة اسمع عن أحد المناضلين هرب من القاهرة في صندوق، فإن كان تحت يدك ما يوثق لهذه الحادثة مدني به وينالك ثواب كوني أريد أن أكتب في أمر الصندوقين: صندوق موسى، وصندوق سعيد أمير طه، وكلا الصندوقين حوى رسالة معرفية انسانية يحرص على تبليغها موسى ألواحاً كتبها الرب بيديه الكريمتين، أما سعيد أمير طه فهو كل نص تربوي عالي القيمة بلغ منه ما بلغ، ورحل بما تبقي من معارفه وتجربته التربوية، ذلك أننا أمة مشافهة بذاكرة من مطاط، لأثبت المعلومة ولا المناهج ولا الشخصيات «إلاّ بمقدار ما تنداح دائرة من الماء يلغى فيه بالحجر.» 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
(*) إدّا «٨٩ مريم» إدّا: عوجا، فظيعا، عظيما. و قال ابن عباس: قولا عظيما، ويئدّه أدّا: دهاه، و أدّه الأمر: أثقله و عظم عليه، و الإدّ و الإدّة: الأمر الفظيع، و الداهية و الشدة، و آدّني: أثقلني. يقال: جاء بأمر إدّ: يقع فيه جلبة و صياح، و الأديد: الجلبة 
(***) كتاب الادب العجائبي والعالم الغرائبي (ص23/24) 
كمال ابو ديب 

الرابط

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حيدر إبراهيم: إنما يأكل الضبع من الغنم القاسية (1)(2) عبد الله علي إبراهيم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق