الأحد، 17 أغسطس 2014

في الطريق الي مدن ب. م. ف.
او هكذا قرأت « نشيجٌ متخشبْ ـ طريقٌ منسيٌّ في يدي»


صعدتُ عتبةَ «نشيج متخشب»، كمن يمشي في النوم وهو  مطمئن.
مشيتُ،  ويدِي بِيَدْ سيدي النومْ،  وفي يديَ الاخري: «طريقٌ منسيٌ»، تذكرتُه لحظةَ ان احسَسَتُ باكلانٍ في الروحْ، اردت حكَّه. فمشي امامي [ الطريق]، وامام نومي؛ طويلٌ طويلْ، ولكنَّه لمْ  يستَطِعْ  قطفَ تفاحةِ  الاغراء التي غَرَسَها الربُّ  علي جانبيه، ليُضِلني بها الشيطانُ عن مبغاي، او قل تناساها تواطأً مع نوَايَايَ، رأفة بي.
مشي، حتي لم الحظْ صعودَه الحادْ باتجاه  ملكوتِ  الله.
بلّة؛ اشكو لك ضعفي،   وقلةَ حِيلَتِي،  وضيقَ مواعيني،  وسعةَ هذا «النشيج».
هذه كتابةٌ لم يُدَرِبها الربُّ علي الشفقةِ بعباده  المدلجين  في ليلِ الكلامْ. او قلْ انها اسقَطَتْ الكثيرَ من مُدَرِبي الربّْ المُوكلين بِتَرْوِيضها، واوغلتْ في الجُمُوح.
فَقَد خَلَي قامُوسُها من المُهادنةِ والتريثِ،  والمداراة،  ومن  مفرداتِ بخٍ ومُتشَابِهاتِها. ومثل كلِّ مهرةٍ جموحٍ، انْطَلَقَتْ في فيافي الربِّ.  ترعي كلأَه وتتشبهُ بِهِ في التعالي  والمُكْر.
فانْ وضَعَتْكَ المقاديرُ علي ذلك الدربْ المُمْتد من هناك حتي منافي الرب، حيثُ ترعي تلك البغلةُ؛ كما حدث  معي، فإنها تأخذُكَ اخْذَ مقتدرٍ جبارْ، بِشِعْبَةِ خليفة المهدي، التي لا تعرفُ من الاتجاهاتِ إلا اتجاهاً واحداً، هو اتجاه الانصاري المُوكَلُ بها.
ايها القارئى هذه اللَّحظة،  وقبل ان تدخلَ بهوَ النشيجِ هذا، اسألك [ انا المتحدثُ الرسميُّ] بصيغة الامر ،
: اِخْلَعْ عَقْلَكَ،  وضعهُ  مباشرةً  قبلَ صعود  العتبةْ.
اِخْلَعْ دَمَكَ الملوثَ  بالعاديِّ من مكرور الكلام.
اِخْلَعْ لِسانَكَ الذي افسدَهُ اختلاطُ انساب اللغاتْ.
اِخْلَعْ حَواسَكَ واتبعني، اقودك الي حدائق الرَّبْ.
اِخْلَعْ كٌلَكَ، واصطحب نومك ماشيا، فللحلمِ شجَرَهُ  ومراعيه.
انتَ تدخلُ ملاعبَ الجِنِّ، وفيها ستسمعُ ما لا يُسْمَعُ، وسَتَري ما لا يُري. وفيه مالا عينٌ قرأتْ، ولا خَطَرَ علي كتابةِ بشرْ.
فقط،  وعند  «عتبةِ سرمدْ» هكذا بالبناءِ علي المجهولْ الذي امامك،  ومع خطوتك الاولي،  يضرِبُكَ  هذا النشيجُ بزلزلةٍ منحولةٍ بكاملها عن صُورِ النُشُور. دَهْم ٌ كاملٌ ومباغتٌ، وليس من فسحةٍ للسؤآل؛ عن كيف يتخشبُ النشيجُ؟ هذه  خطيئة تُخْرِجْكَ من جنةِ الكلام،  وتُعِيدُكَ الي خشبِ الوجودْ.  وان حدثَ ذلك ؛ فتأكد انك تتعرض لخديعةٍ  مهلكةٍ  تُخْرِجْكَ من الملَّة.
وهناك يصّاعدُ النشيجُ الملكيُّ،  اعلي فاعلي،  في طريقه الي الله.  هو نشيجُ عالٍ لكائناتٍ شكلها  بلّة الفاضل علي مهلٍ وبمزاجٍ انيق. تمَّ كل ذلك وهو في طريقة للحجِّ داخله!.  وهي كائناتٌ يتساءلُ الربُّ دائماً كيفَ سكنتْ ملكوتَهُ؟  حتي بلّة نفسُهُ   سيكون ُ موضعَ مساءلة عن هذه الكائنات الصائتة؟
عند عتبة سرمد هذه،  فكُلُكَ يُذْهَلُ، من شذراتِ الشعرِ التي لِبلة الفاضل وهي « تصرم الملام»،  «بهواجس اسيانة»،  ولكنها تقودك في الدرب المُمَهدِ «درب الرماد والدخان» والذي فيه:ـ
/ الاسئلة محرمة!
/ الاجابات محرمة!
/ المعاني محرمة! حتي ضفاف المجاز القصية!
/ كل شئٍ محرمٌ!
فامشِ عارياً إلا من صمتِكَ النبيلْ، امام هول ما تري وما تسمع؟
اسْلِمْ بَدَنَكَ لفاكهةِ  الخيال الجموح، وخُذِ  الحذرَ كاملاً، فقد تَشُكَّ يديك «شمسٌ متهورة»، و«الزيغ قد ينتحل وقد يهرول جهة « الحبر والنفس»
انت مشمولٌ بالضجيجِ المتخشبِ./ ما فوقك ضجيجٌ/  وما تحتك ضجيجٌ/  امامك ضجيجٌ/  وخلف ضجيجٌ / وفوقك ضجيجْ/ وما تحتك كذلك. فاين المفر؟
بدنُكَ مستعمرةُ زلازل.  وحدك في مواجهة زلزلة اللغة وزلزلة  الاخيلة،   والالهُ  بعيدٌ، وما  من  مغيث/
الروح المتنمرة،  روضها هذا الطريقُ الذي لا يفضي إلا إليك، او الي وكرِ بلة ؛ وهناكَ تُؤكَلُ كاملاً. ولن تنجو إلا إذا اخرجت زكاة دمك من دم اللغة. او تصيحُ في بريةِ اللهِ: « ما في بدني اللغوي إلا بلة محمد الفضل.
 هل تفرست يوماٍ في هذا البلّة؟ هل رأيته مدرعاً بلغةٍ بريةٍ واخيلة من بقايا لغة جديس؟ لغة بكر طازجة  لا تعترف  بالقواميس، ولا بالمتحقق من الخيال.
لغة ضد!
ضد اللغو!
ضد السهو!
لغة الشطح والترجمة!
القواميس تقول:  بلّة «إنه الخير الوفير»
                        بلّة: « انه العافية»؛ حين تصيب اللغة
                         بلّة:  «انه النضارة»
نضارة اللغة/  ونضارة الاخيلة/  نضارة النوم  إذا مشي في نومه،  ونضارة اليقظة.
وقيل: «الثراء» اقاصي فجوره.
وفي حصة اخري ومن كلام منسوبٌ لي، هو: «سلاسة اللسان».  وفي المعجم المنسوب للسيد ا. ا. ع، هو كل ما قالته المعاجم وفوق ذلك.
لست علي يقين ان كان السيد محمد الفضل علي درايةٍ  بكل هذه الشواطئ البَلِّية؟، ام هو مجرد حدس حديد؟
هل هو فعلاً اسم مَرَّة.؟
هو جامعٌ  بحيث كل ما قيل ، وما يمكن ان يقال، يتسع له هذا البلّة.
انت الآن تقودك  بصيرة الكلام  البصيرة،  لتجد  نفسك «المدخن للكلام»
هو خيال يفضحك امام الله. فلا تحاجه بالكلام.
بل: «قل شعراً»  هذا امرٌ من لَدُنْ خيالٍ آمر.  فأين المفر؟  قل: « للبلاد التي لا تتموضع..»  فلن تضل ابداً.
وهنا تكون قد امتلأت به،  وكأني بك تَشْذُرْ كما يَشْذُر،  البلاد التي لـ « الممسوس بهسهسة الكلام» يتشح بشراً إذا جادته التراتيل راجلة»
قل اعوذ برب الشطح.
انت الآن٫ شهيد، ولك راياتٌ وطبولٌ وطيورْ  من لغةٍ تحرِسُكْ، تَتَحَرّشُ بك، تمشي امامك، تقودك ، تمشي خلفك تحرسك،  تمشي فوقك، تظلك، تمشي تحتك، حماية لظلك من الدرن.
قل شعراً: يصلك «بالمطالب الرابحة»
إستراحة (1):
إذا ابصرت فخاً مموهاً بعناية كالآتي:
«الصوت والدوران
الي عماد عبد الله،  وعز الدين عثمان، والي متسيب يتسكع  بالخيال»  فاعلم  يا هداك الله،  انه يقودهم الي مذبح الخيال قرباناً  لطموحة الجائر،  ويقودهم في نفس اللحظة الي حدائق الابد،
إستراحة (2):
لتجميع اطراف بدنك. ليستريح لهثُك. وهذا مطمح بعيد المنال، ما دامت هذه القافلة تمشي بحدوِ  بلّة.
فاشذر..
كل شذرة فتح..
وكل فتح بلاد من لغة.. وبلاد من خيال..وبلاد من مقال.
كلها متاحة امامك صدقةٌ جاريةٌ.. ماشيةٌ..راكضةٌ .. تقودك حتي مهامه الضوء، قبل ادغامك فيها وتشرق كلك.
«قُل شِعْراً»
فبلّة هنا لا يكتب شعراً؛ بل يأمرك امراً نافذاً  «قل شعراً ..لمطيةٍ تململ الاسفلت من اقدامها..»
«لبيت تجملت اركانه»
«لاطفال شحذوا الضحكات»
«لورد لا يغفو اريجه»
«للذي كتم الارزاء، نهض للايام»
قل شعراً  : «للذين احالوا الحياة الي آمال سابحة»
قل. فانت الآن مؤهل للقول.
فقد قذف بلّة فيك نضفة الكلام / القول/ فقل:
قل اعوذ برب الشطح والفيض.
ان لم تتعوذ ستعرج. وربما ظلعت.
ولكن بلّة اقسم ان لا يظلع مرتاد حقوله، ولا يجوع آكل حنطة بذاره. هذا الكلام البهي، الذي كلما اظلك منه قمرٌ؛ كافأك بشموس واقمار، وحدائق غلبٍ، من كلام يتمناه الكلام. حتي تري انك «استعدت صفحة وجهك مملوءة بالنزق» وشذرات بوحٍ عذبة.
«قد يتقاطر المطر » فجأةً، «إذا كان صديقي يملك الحيَّ باحلامه ذات الدفاتر المرصوفة بالحاجيات المنقرضة» وبعض الذكريات المطيرة.
خُذ واقياً  من مطرٍ قد يبلل روحك، ويجتاحك كخيال فالت عن سعة الخيال.
هنا  مدينة  قد تغافلك،  فتنزو بك « لتختلي بالآخرين» وقد ـ نكاية بك ـ قد تضمرك ضمن الآخرين!
احترس.
وامر قلبك يحترس.
بل امر بدنك كله يحترس.
فهذا البلّة ماكر؛ وهو من اورث الثعالبَ الاثر المشاع عنها. فإن لم تحترس تضل وتتوه في ملكوته،. وقد يدغمك في اللامعني،  فهو مخترع شذرات الشعر، لا يهمك ان اسميته شعراً ، او لسميته كرخاً  الرغائب، او اسميته  قيامة الابجدية، اوحتي ذهبت الي تسميته طائراً بعنق من شظايا. سمه ما شئت، فإن عائده علي بدنك، وعلي كلك، سيكون فائق الجودة  والوسامة.
كيف تتحاشي الذلل؟ خذ مثلاً: هو قد ينجرُ   باباً امام  كل شذرة، موهمك ان ذلك مدخلاً لحدائقها.  وهنا النكتة: فكل باب مدينة من مدنه الكتابية. وكل مدينة سكنٌ  للروح  والبدن. هو كله مدينة شائكة الهندسة. عصية علي التجول فيها بلا خرائط؟ فاخلع  نعليك، وانتعل الحفا،  حتي لا تتوه،
وإليك بعض اسماء ابواب مدنه:
1/ «اليتيم والسهو»/ باب.
2/ «عتبة سرمد»/باب.
3/ «طريق منسي في يدي» /باب.
4/ «مفتتح الزيغ» /باب.
5/ « اليتيم تصاوير في مهب المرايا. /باب.
مثلاً مثلاً...................
وفجأةً تنهض في وجهك عنقاء طازجةً، خارجةً من محرقتها،  لتصيح في وجهك: «ايها المثقوب/ ماغرَّك؟
فـ «ثمة بيوت من خبايا/
بيوتها سعف النوايا الرابضة في مخيلة الشطآن....»
ويجتاحك الكلام الكلام. اثبت ولا تخف،  ولا تضطرب. فليس قربك من يدثرك، واكدح غير هياب ولا مغبون، فقد آلي ان يحرر عنقك من شعبة (ود تور شين).   واغمض روحك، فهو يقودك عبر المتشابك من دروبه الي بهو المليكات،حيث تستقبلك الابجدية صفاً صفاً،  والعصافير وما اشتبه من لغاتها ومنطقها، حتي يجلسك قرب عرشه، ويطلقك في بهو الغناء. لا خوف عليك ولا حزن.
هذه الشذرات الشعرية، ذات المسارب السرية الي ابد الشعر. البادئة من نقطة لا يعرفها إلا هو، والمنتهية الي مدي هو وحده العليم به.
هذا كله صنيع بلّة. هذه مدن دائرة وكذلك ابوابها وشوارعها  وحواريها.  فمن ايِّ جهة من جهاته  دخلت،  وصلت.
هو نص واحد مفتوح علي البهاء. ابوابه خدعة، عناوينه الجانبية خدعة،.
كلها مفاصل شعر او قل كتابة تعلم الكتابة.
ادخل من ايِّ الابواب ترشُدِ.
ادخل انت وكدحك، فإنك  ملاقيه.
وهذا ما فعلته انا المدعو ا. ا. ع. القارئ  الافتراضي لهذه البهجة، والمُشْرِكُكَ فيها والمجتهد في تخليق نسختي الخاصة منها.
هذه ترجمة[ كما هي لغة الدراويش لحظة شطح] لما اصابني من عصف عند مغامرتي في دروب هذه المتاهة الكلامية المسماه « نشيج متخشب»  بمتفرع:  «طريق منسي في يدي» والتي للمدعو  ب. م. ف. او هكذا خيل لي.
*** هذه كتابة تقود لا  اقل.
*** مكانها مقصورة القيادة في ايّ مركبة للكلام.
*** توكل. لا تسأل.  فالحضرة معقودة. والصمت هو السيد.
 عزيزي، وما ننسخ مما نرسل اليك من كتابة، إلا قومنا ما اعوج من المنسوخ، قدر ما نستطيع، وحسّنّا من نسلها، حتي نباهي بها الكتابات.
تقع مدن بلَّة ضمن خارطة  منطقة خوافي الرب، القريبة  وفق جغرافية تلك الاماكن، قريباً من منافي الرب، ويربطها بها  سراطٌ متعرج، لا يعرف اسراره إلا الخوارج،  وهم السكان الاصليين لمدن بلة، وسلالة  منهم تسكن، ايضاً منافي الرب. وكلهم كهنة وحراس خوافي الرب ومنافيه. وحملة اختامهما ومحتكري تصاريح الدخول لكليهما.
كل بواباتها المئة، مكتوب عند مداخلها  وبلغة لا يعرفها  إلا   الخوارج،  وترجموها كالآتي:ـ
ادخلوها بقلقكم الخلاق؛ كاتبين/ راسمين/ قائلين/. ففيها لا يضل كائن» شجراً كان او ابجدية.
ادخلهاعائلاً: تُغني/
ادخلها اعجفاً: تسمن/
ادخلها اميّاَ: تقرأ/ او يتيماً: تُؤوي./
ادخلها اصماً: تسمع/
ادخلها ابكماً تتكلم/
ادخلها ضالاً: تُهدي/
ادخلها فرداً: تُجمع./
ادخلها واحداً: تكْثُر؛/
ادخلوها اصحاباً: تتكاثرونن نسلاً من الصحبة ومأوي لها./
لا نوم هنا/ لا صحو/ لا عري / لا كساء/  لا غفلة/ لا انتباهة./ لا زمان لا مكان.
كل سكان الخافية مارقون/ كلهم حمقي بدرجة شاعر /. لا يجيدون الرياضيات؛ وبالتحديد حساب المثلثات واللوغرزمات..
يجيدون المشي علي الماء، والسهو.
الشارقة/ الخميس/31 يوليو/2014م (4:55) بعد الظهر/

الي الصديقة روزمين الصياد. والتي افتقدها حتي كأني لم ارها ابداً
بعضي.....

من اسمائي العديدة،
بعضاً اقتطف،
لاتوكأ عليه ذات عرج.
وحين يعاكسني ظلي، طويلٌ ومتعبٌ،
كوطنٍ ارهقه القهر،
اعكف علي رسمه بقلم الاردواز
علي صفحة دمي.
ثم امشي منكساً روحي
علي الطريق الموازي له،
حتي لا يراني.
اقوس قامتي، حتي لا تحدث دمعتي
صوتاً علي اسفلت بدني،
فإذا تكاثر فضول المارة،
اتكوم فوقي،
حتي لا تراني سخريتهم.
اقول، مازحاً لظلي: انتحلني،
 حتي نموه الطريق الي قبري.
وجهٌ حافٍ

متدثراً بي. وانام ملئي
حتي كأنني احلم بي:
انا النور احمد علي،
علي اطراف وقت الليل امشي،
متحسساً فجوات الروح.
اداعب في الرأس قمراً،
يأتي ولا يأتي.
اسكن قليلاً،
اتدرب علي الغناء في فضاء
اتلمسه بين اغصان غابة الليل
الممعنة في غيبوبة الإظلام،
وكأنني اسقط في فجر مني!.
اصحو ملطخاً بالظلام،
وانا ارقبك، طحلباً
 يتكاثر عل حواف الروح.
عارياً ادخل غابة الليل

الهمبول

قال شيخنا ود تكتوك في قولٍ متروك :«يا الهمبول يا الخوف المجهول يا البخوفو بيك الطيور باكر يخوفو بيك العقول»
و«الهمبول» لغة امتياز خاص بفصيحة السودان.حيث يصعب في التصريف العثور علي جذر ثلاثي تبني عليه مراحل التصريف الطبيعية، مما يصعب عمليتي الاشتقاق والحفر علي الاثر. وفي فصيحة السودان«الهمبول» يعني العلم ( معجم العامية السودانية للدكتور عون الشريف قاسم. مادة: هَمْبَل): كونه خرقةتعلق علي عود، وهذا جوز لشاعرنا ود شوراني،ان يسمي العلم همبولاً. وفي احدي لغاته : الهواب. وهو بصفته هذه يشترك مع كل همبولات الشعوب الاخري. فوظيفته فيها كلها تشير الي الخوف؛ او هو (الامبلم) الخاص بالخوف.
وفي فصيحة السودان اشتقوا من وظيفته وصوته الغوي: «الهمبوكية» وقالوا فيها: « حيوان خرافي يخوف به الاطفال» وهو كما ترون ذو صلة مباشرة بالسيد المبجل الخوف.
والخوف غريزة طبيعية، وضرورية احياناً لدي الكائن البشري، خاصة ،انه يدفعنا للدفاع عن ما نخاف عليه، ايّاً كان هذا الذي نخاف عليه. وعلي وجه الدقة إذا كان ما نخاف عليه هو وجودنا ذاته، وبالتالي يصبح «الهمبول» انتاج حصري لصناعة الخوف،
لقد كانت صناعة الخوف؛ التي كانت متواضعة مع تواضع معارفنا. ولكنها ازدهرت مع ازدهار تلك المعارف حتي مشارف العولمة، والتي اصبحت همبولاً كبيراً، سواء لمن انضم لركبها، او لمن لم ينضم، او لمن لم يزل متردداً.
في الرابط الملحق بهذه الفقرة، وفي خيط ابتدره الصديق الشيخ محمد الشيخ بعنوان «اخطر قرار اتخذته في حياتي» ذكرتُ حكايتين، في مداخلتي، الاولي هي محور بوست الشيخ، والثانية حكاية حدباي بن خالي. وفي الحكايتين ظهر الهمبول،ليعري ان الخوف ليس كائناً خارجياً بهيئة، يمكن ان يصادفنا في الطريق العام، فيلقي علينا تحيته المخيفة، فيملأنا رعباً ويمضي لحال سبيله، ولكن تبين انه كائن خاص بكل فرد منا كل حسب بنية وعيه ودرجة ارتقائها في سلم الفاعلية، فكلما ارتقت بنية الوعي، اصبحت اسئلة الخوف، قابلة للمواجهة، وارتفع حافز  الاجابة الصحيحة، ويصبح الهمول اشارة الي الخوف وليس الخوف ذاته. وفي حالة تدني الوعي، يصبح «الهمبول» [امبلم الخوف] هو الخوف نفسه.
انظر الرابط:
http://sudan-forall.org/forum/viewtopic.php?t=6876&postdays=0&postorder=asc&start=30&sid=dde83eb08d222c98b81c6b9873270812
ففي حالة الشيخ، ظهر «الهمبول» الذي تشكل بفعل صدفة طبيعية، لم يخطر الخوف علي بالها لحظة التشكل،ولم تكن سوي خرقة حملتها الرياح والقت الصدفة شجرة  اعترضت طريقها، فكان «همبول الشيخ» وعند لحظة المواجة الاعتباطية،شحذ الشيخ وعيه المضمر في تكوين النشأة، وكانت لحظة فارقة في حياة الشيخ حيث قرر مواجهة خوف مموه في شكل الهمبول، وانتصر الوعي المختزن، فوعي الشيخ الدرس:ان الخوف ليس كائناً خارجيآ، بل لصيق بحالة الوعي.
اما في حالة حدباي، فهو رجل امي كامل الامية، واقصي ما يرعبه هو ما يهدد وجوده ذاته، وغريزة الخوف علي الحياة، هي غريزة حيوانية بامتياز، وعليه فحدباي لم يكن لحظتها علي استعداد للمغامرة بحياته، وذهنه لم يكن يعمل بكفاءة تمكنه من فهم ان ما يراه ليس إلا «همبولاً». وذهب ذهنه وفق استعداده الطبيعي، ان ما يراه هو ما يهدد حياته، لذلك لم يتقدم، فيواجه ولم يهرب لان الخوف قد شل كل قواه. فثبت في مكانه حتي ينجلي الامر علي ايِّ وجه،
وكما رأينا فـ «الهمبول« قد تشكله محض صدفة،وقد يشكل بارادة وتصميم بشريين، ضمن صناعة الخوف التي تزدهر كلما تقدمت التشكيلات الاجتماعية، وكلما اشتدالصراع الاجتماعي بين مختلف طبقات المجتمع.
كانت نشأت «الهمبول» متواضعة وفق حاجته للخوف. وتعقدت مع تعقد تلك الحاجة
وكذلك تتعدد انواع «الهنابيل» بتعدد اغراضه، ففي  الحالة البدائية: مزارع يخشي علي زرعه، فهو لم يكن بحاجة الي اكثر من خرقة وخشة لتشكيل هواب وفق قدراته التشكيلية. ويستمر في التعديل وفق اختباراته لكفاءت مخترعاته الهمبولية.
ومن تعدد معاني « الهمبول» التي ذكرها الدكتور عون الشريف قاسم في معجمه للغة العامية السودانية؛ والتي اصر علي تسميتها ( فصيحة السودان» من ضمن تلك المعاني العلم. ونحن نعرف ان رمز العلم يضمر مصالح المواطنة، والتي يشترك فيها كل افراد الوطن وهيئآته.
لنر كيف يكون العلم «همبولاً»: فقد تشكل في وجدان كل شعب، ومن خلال تكريس إعلامي وبروبقاندي، ان العلم هو رمز للامة وللوطن، فصغنا له قانوناً خاصاً يكرس احترامه، ومجال استخدامه فقط للاغرض الوطنية، واستوجب القانون والوقوف عند رفعه، وبالتالي فاحترامه واجب علي كل مواطن وبالقانون، ونحن نعرف ما الذي يحدثه ذكر كلمة القانون لدي العامة.
ولكن قد يحدث الاعتداء علي الوطن وعلي المواطنة:[ كحالة الانقلابات العسكرية] ويظل احترام العلم قائماً كما كان في الظروف الطبيعية . ويستثمر الانقلابيون الاحترام المكرس قانونياً ووجدانياً للعلم، فيرفعونه علي مكاتبهم وعلي سياراتهم المتعددة، علي مساكنهم بل وتحتمي به عوائلهم. وهكذا يتحول العلم الي همبول كبير ليحمي القتلة والمعتدين، مستفيدين من حصانته.
وفي هذه اللحظة نشير الي ان القرآن ، تحول في لحظات فارقة في تاريخ الدولة الاسلامية الي «همبول» كبير احتمي به سندنة الاسلام السياسي، حين اوشكت هزيمته التاريخية ان تحل في حرب «صفين» والتي حدثت بعد موقعة الجمل. وما هو معروف من ملابسات تلك المعركة التاريخية، انه وقرب نهايتها او شك جيش معاوية علي الانكسار. فكانت خدعة التحكيم ، بعد مكيدة رفع القرآن علي اسنة الرماح. فبعد ان تبين لانصار معاويةعدم كفاءة الهمبول الذي كانوا يقاتلون تحته، انتبه ابو موسي الاشعري الي ضرورة استبدال ذلك الهمبول بهمبول يحمل قدراً من القداسة لتفادي هزيمة تاريخية بمعني تاريخية، وليس هناك من همبول افعل في مثل هذه اللحظات اكثر من القرآن، وهنا تتجلي عبقرية ابو موسي الاشعري، ومشت الخدعة وانتصر الاسلام السياسي، ذلك الانتصارالمتجدد حتي اليوم في العديد من اثواب الاسلام السياسي.
**عمرو بن العاص هو من اشار علي معاوية بمكيدة رفع القرآن علي اسن الرماح، محكمه ومتشابهه. ومع تقدم تعقيدات التشكيلات الاجتماعية ، تقدم الاسلام السياسي ، خطوة في رفع «همبول» المقدس بعد اختبار كفاءته في حرب صفين،فكانت آية الحاكمية المقتطعة من سياقها التاريخي، لتسويغ عنف الاسلام السياسي، تجاه المجتمع  وتجاه كافة الانظمة الحاكمة، التي لا توافق مزاجها الابعادي التكفيري.
و«الهمبول»قد يكون الجندي الذي يحرس مكتب المعتدي،او بيته او اعائلته، او العسكري الذي يقود سيارته، وقديكون كلابه الامنية، اوكل انظمته التي يعتمد عليها في ادامة بطشه.
ولكننا نعرف ايضاً ان «الهمبول» ليس الخوف لكنه علامته التجارية. فالخوف الحقيقي يكمن داخل المُخَوَّفْ. ونحن نعرف ايضاً، متي وعينا، ومتي اشعنا الوعي في محيطنا، كلما اصبحت هزيمة الخوف ممكنة.فالوعي هو المِصدْ الاكثر كفاءة في هزيمة الخوف وابطال مفعول علامته التجارية [الهمبول]. وهذا ما يتحاشاه المستبد المستفيد الاول من صناعة الخوف.
ومتي تنامي الوعي والوسائط التي تدعمه،تنامي خوف المُخَوِّفْ، وتنامت محاولاته في تنوع صناعة الهمبولات، وبالذات في هذا الوقت، الذي تتسع فيه، وتتنوع وسائط المعرفة والاتصال الجماهيري، وتتسع فيه ايضاً امكانية كسر حواجز الخوف التي راكمتها، صناعة الخوف عبر عصور الاضطهاد الجماهيري،وتتعدد ايضا اشكال الهمبولات، والتي يحلم تجار صناعة الخوف لإبقائه فاعلاً. وهي لاشك همبولات اكثر تعقيداً، واشد فتكاً وإخافة.
لنفترض انك احد المتعاملين مع وسائط الاتصال الجماهيري الحديثة، وانت في قمة تواصلك واندماجك ، قد تواجه ب spam تعترض تواصلك، وهي همبول حداثي دائم الترصد بك. وقد تصلك رسالة من صديق بحث عنك بحثاً مضنياً ولكن عند تصل الرسالة الي باب بريدك يعترضها همبول حداثني آخر فيحولها ال الـJUNK MAIL بدعوي ان اسم مرسل الرسالة ليس ضمن الـCONTACT LIST الخاصة بك. والهمبول ليس بدليلاً للغول الخاص او غول الداخل. فالغول الخاص والذي تشكل مزاجه خلف المثل « الضايق قرص الدبيب بخاف من مجر الحبل» وحين يكتشف صناع الخوف هذا المزاج فانهم يشغلون دروبك بالملايين من مجرات الحبال فيديمون خوفك الخاص فتظل حبيسك، اما غول الداخل اي غول فضائك الاختياري بحكم تكوين وعيك واعتصامك الوجودي، وفي حالة ( التقدميين!) فهذا الغول مهجوس بالتخوين، متي تبين تباعداً في الرؤي، او بالتأمين، توأم التخويين، والذي يشير الي التكلس، والانكماش المفضي للانكشاف، والضمور الحركي.
وقد عبر عن هذه المخاوف محجوب شريف حين قال:
زولاً تريده وتشتهيه
تلقاه في
لا يقولو ليك مختفي
لا يقولو ليك ما تمشي ليه
وفي«ما تمشي ليه» هذه هي الـ «همبول» الذي يخبئ الخوف في احواله كلها، ولنا فيها مخزون طيب من الخوف والتخويف إما بدعوي التأمين وإما بدعوي التخوين. وهذه تحوم كثيراً حول السواطة ،وثرثرة القعدات الخاصة غير البريئه، بعيداً عن ضوابط العمل التنظيمي المؤسسي. وهذا مما يراكم كماً معتبراً من الهمبولات وكماً معتبراً من الخوف.
في مثل هذه الاجواء، تنشط صناعة الخوف تتبعها نشاطاً صناعة الهمبولات،حسب نوع الوسيط الاجتماعي الذي تتعامل فيه، فمثلاً في الانترنت؛ فقد تجد في بريدك الخاص رسالة عن شخص تحبه ويحبك، ولكن معها تحذير يحملك مسؤولية فتحها، بزعم انها يمكن ان تكون حاملة لفيروس، قد يهدد جهازك،او ان ذلك الشخص مشبوه، او اي من المشوهات . انه الخوف! فما لم نتحصن بالصداقة ومتطلباتها فقد نضل ، وقد نفقد الكثير من اصدقائنا وصداقاتنا.
وفي مرات كثيرة قد لا يكون لديك ما تخاف منه او تخاف عليه ، ولكنك مع ذلك تخاف. وهذا نجاح همبولي بامتياز مصداقاً لقول المعري:
هب من له شئ يريد حجابه       ما بال لاشئ عليه حجاب
وهكذا تتعد طرائق تشكيل الهمبولات، سماوية ارضية وتتعدد بالتالي نجاحاته في  تضمير رسالة الوعي المنوط بها كسر حواجز الخوف،
والهمبلات السماوية اكثر تنوعاً وانتشاراً في محيطنا التواصلي، فهي متوقعة دائماً في تلفوناتنا (*** انظر الرابط لخيط هاتفي للصديق حسن محمد موسي) وفي إيميلاتنا، وهدفها دائماً اشاعة الخوف المعطل للهمم. فأي جبل نحتمي به ليعصمنا من الخوف.
***http://www.sudan-forall.org/forum/viewtopic.php?p=65997&highlight=&sid=b27a1e444c94ccf07cc9da3a6cfe8f9b#65997
**نبهني صديق عزيز الي ان عمرو بن العاص هو من اشار بمكيدة رفع القرآن علي اسنة الرماح، وليس ابو موسي الاشعري كما كنت اظن وهو علي حق. «*عن أبى مخنف : لمّا رأي عمروبن العاص أنّ أمر أهل العراق قد اشتدّ ، وخاف فى ذلك الهلاك ، قال لمعاوية : هل لك فى أمر أعرضه عليك لا يزيدنا إلاّ اجتماعاً ، ولا يزيدهم إلاّ فرقة ؟ قال : نعم .قال : نرفع المصاحف ثمّ نقول : ما فيها حَكَم بيننا وبينكم ، فإنأبي بعضهم أن يقبلها وجدت فيهم من يقول : بلي ينبغى أن نقبل ، فتكون فرقة تقع بينهم، وإن قالوا : بلي نقبل ما فيها ، رفعنا هذا القتال عنّا وهذه الحرب إلي أجَل أوإلي حين .فرفعوا المصاحف بالرماح وقالوا : هذا كتاب الله عزّ وجلّ بينناوبينكم ، مَنْ لثغور أهل الشام بعد أهل الشام ؟ ومن لثغور أهل العراق بعد أهل العراق !فلمّا رأي الناس المصاحف قد رُفعت ، قالوا : نُجيب إلي كتاب الله عزّ وجلّ ونُنيب إليه ».


10 ديسمبر 2013م/ الشارقة.

جهات الحنين


الفاضل9 يا صديق، كل جهات الحنين ودروبه تقودني إليك، كوني جربت «الجرورة» بمختلف انواعها. المادي والروحي. غير ان «جرورتك»هي عصا الجرورات، التي التهمت كل إرث ا«الجرورات الذي جربته في هذا العمر الذي جررته خلفي علي ما تسنن من صخور الواقع، واشواك سدره.كونك يا صديق  حملتني ديناً يصعب الإيفاء به ، كما يصعب الغضُّ عنه. كونه يظل حاضراً كلما صحوت، او كلما انتبهت، هي لحظات الحياة الحقيقية وهي جديرة بحضورك فيها.
الفاضل ان الكتابة التي اجريها هنا او هناك ؛ هي بقية ما في القلب. ولكني يا فاضل خارج هذه الكتابة، شخصٌ شديد الرهافة والخفة تجاه «المَحَنَّة» ، حتي انني في مواجهتها لا يرجرني الشيب، واعود طفلاً بكل ما في هذا العمر من جمال وبراءة.
في الكتابة ابدو شخصٌ آخر؛ حتي انني عندما اعيد قراءة ما كتبت اتساءل ( ان كنت فعلاً انا الذي كتب كل ذلك الشئ. وعندما يقرظ احد ما كتبت؛ حتي لو كان صادقاً  اتلفت حولي،فربما كان هذا التقريظ يخص شخصاً آخر، وانا صادق كل الصدق في هذا الاحساس.
فعلاً يا الفاضل ، تدور فكرة الكتابة في رأسي،واتركها هناك ، ترعي علي مهلها، لغة واخيلة، وحين تحين لحظة الكتابة ؛ والتي لا اعرف متي تحين، اتخير المدخل وكيفية المعالجة . قد تمتد هذه المرحلة.
وفي لحظة الكتابة ، آبدأ هكذا:مسند ابيضٌ امامي. ومسند آخر بين كتفي، ووسيط الكتابة في يميني. ( بالمناسبة يا فاضل ، مازلت مغرماً بالكتابة علي الورق،. ملمسة، ورائحته ، وكوني مسيطر علي القلم بين الوسطي والسبابة والإبهام، احس كأني اسيطر علي كوني الكتابي تماماً. بدأ بحرف، يتبعه حرفُ، تولد كلمة، تتناسل الكلمات والحروف  فيتشكل كون مبصور مرقوم.وقد اغيب عن حولي تماماً. وهكذا يسير الامر، حروف متصلة ومنفصلة. ثم كلمات واخيلة، وصور كتابية ، احرص لي تماسكها وقدرتها التعبير عن ما اريد قوله. حين يكون هناك نتوءٌ في الجملة او في الصورة ارتجُّ كلي .
كثير من النصوص يا الفاضل تجري هكذا: ابدأ بعد مرحلة التحضير الذهني تلك ، الكتابة، ولا اترك القلم إلا بعد ان اشعر ألاّ مزيد، ونادراً ما اعدل ذلك.حتي ان كتابة «سبابة وقافلة وترجمتها محاولة لتصريف فعلٍ ماضٍ» كتبت «بالكرنداش» علي ورقة سجاير روثمان كنج سايز، ليس كلها، ولكن مدخلها المسمي« نشيد المفازة» حدث ذلك  عنابر الغربيات بسجن كوبر منتصف 1975م من القرن الماضي. كنت ادفع ضريبة متواضعة من نصيبي في الدفاع عن وطن متخيل.
وفي يونيو 1976م ، منتصفه تقريباً خرجت من المعتقل، وفي منزل الصديق العالم الشيخ محمد الشيخ بامدرمان  كتبت كل السبابة في جلسة واحدة ، كنت بعمر السابعة والعشرين، وحتي طباتها عام 2008م لم اضف إليها إلا النص البصري.
 نعم يا صديق، وكأن وصيتك  اجاتزت إليَّ المدي الزمني والمكاني، وانت في مهد الكتابة، وانا اعمل بها . انا فعلاً اكتب علي كيفي، ات اشترط قارئاً لكتابتي، ولا اقسر كتابتي علي ما لاترضاه. وكثيراً ما اواجهة  اسئلة نقص القادرين عن التمام: لماذا لا تكتب ما يفهم؟ فاستدعي من مدخل القرن التاسع الهجري، صديقي البحتري في رائيته الشهيرة والتي مطلعها :
                             «في الشّبِ زجر له لو كان ينزجرُ    وواعـظُ منـه لـولا آنه حـجر
والتي في متنها الإجابة عن السؤآل الحداثي، بصورة مفحمة:« .. .. وما علينا إذا لم تفهم البقر»
انا يا صديق، مضاد لقانون الـ (spoon feeding)  والذي اورثنا  كل قبائلالكسل والذ بمقتضاه شحنت رؤوسنا بكل غث وفاسد، مما ضيق في عقولنا مساحات النقدوالتجاوز، وطردنا من جنة الخيال،. انا مضاد لهذا القانون الجائر والذي تشيد عليهكل انظمة الاستبعاد والاستعباد، المتجة للانظمة الشمولية. ان اتكلم علي العموم يا صديق وهذا ما يشعرني بالتقصير في واجبي الوطني ، حتي اتصور ان كل ما يجري للوطن يجري بتواطئ مني.
هذا القانون الذي انا مضاد له،هو الذي اكسبنا الكسل بكل انواعه، بحيث اصبح اتشوف للامام مهمة شاقة لذهن  بارد وكسلان، واصبح كل طموحنا ، وقيل مستقبلنا وراءنا، وقد يمتد هذا الوراء حتي القرن الثالث الهجري!
ما الذي يجري في الوطن ايها الصديق، ؟اليس الذي يحدث والذي يحكمنا هو الوراء في كامل عدته الورائية؟ وهل نحن«.. ما تكونون» ؟ حتي يتولانا مثل هذا «الوراء» نحن يا صديق خارج مناهج رثة،وما زلنا ايها الصديق نقلب اوجهنا في السماء بحثاً عن منقذ وفي داخلنا كل البسطامات؟ ولكننا اكسل من ان نقلب دواخلنا بحثاً عن ما فيها من طاقات خلاقة؟؟!!
والشاهد يا صديق الظلام الذي يسوِّد وجود السودانيينالآن، حدَّ نفي بشريتهم؟
والآخرون يا الفاضل،يملكون الكثير من الحجارة،ولا يجيدون  من سبل كسب العيش إلا القذف بكل اواعنه: الحيواني، وذلك الذي يدمي. ليس لديهم إتجاه ولا مرمي، وهذا كل ما ورثوه عن منهج  التغذية السهل.
انا لا اخشاهم ايها الصديق، إلا إذا خشيت الريح صعود جبل؟
ايها الجميل ان ظهري له حراشف قاسية، قستها القراءة والكتابة والرسم والصحبة الطيبة. وحين تصلني مثل كلماتك تلك،اصحي اكثر صلابة. بل واصبج منتج صلابة، واضحي اكثر رحابة،وارفه حلماً بغد نتقاسم فيه انسانيتنا المسلحة بالوعي، والمحملة باحلام من لا يستطيعون التعبير عن احلامهم؛ او لا يستطيعون الحلم اصلاً.
 الفاضل ايها الحميمكنت جاداً حين حملت نفسي جزءاً من ورز ما يجري للوطن؟كوني شاركت بنشاطفي اول فعل تغييري شعبي في اكتوبر 1964م من القرن الماضي، وانا طالب بمدني الثانوية.
ان دوام القهر، وقانون التواكل جعلنا نستسهل طرائق العمل العام ونظن ان هناك دائماٍ من يحلم نيابة عنا، ومن يتولانا بالرعاية، ويعطل كامل طاقات الفعل عندنا،ويمنحنا كامل طاقات الكسل الذهني، احدثنا التغيير في ذلك الاكتوبر البعيد ، ثم ماذا بعد؟
لم نكن مؤهلين لا معرفياً ولا اخلاقياً لنري غدنا.كنا عمي وهذا ليس ذنب الاخرين إذا استثمروا عماءنا؟ ما كنا نراهيا صديق هو حلمنا مكبر ملايين المرات بفعل البروباقندا الايدلوجية، حتي غامت تفصيل حلمنا ولم نر إلا هيولاه،
انت يا الفاضل لم تشهد مظاهرة القصر التي نظمها المناضل العمالي الكبير الشفيع احمد الشيخ، كانت ساحة القصر عندها تفيض باللون الحمر،حتي ليخيل للناظر انه امام مختصر ناحج لكل الثورات التقدمية في العالم،واهتافات الحمراء التي زحمت الافاق، واجتازتمجالنا الجوي لتسعدي علينا كل قوي التخلف الاقليمية،وقوي اعداء التقدم من رأسمالية مسعورة.
 ونمنا بعدها يا صديق، صيداً سهلاً ىأكلنا النوم والايام علي مهلها!
كنا بقراً، اشبه كثيراً باهلنا من قاطني قري النيل الابيض. الذين يعيشون من موسم لموسم،وفي ما بين الموسمين يظلون يقلبون وجوههم في الآفاق[ علّ إلهاً ، يرسل مطراً فيأكلون وتأكل انعامهم]، موفرين كل طاقاتهم البشرية او متناسين لها، اولا يعرفون اصلاً انهم آلهة؟ يحتازون طاقات تميزهم عن انعامهم.
كنا نشبه تمام الشبه آبائنا وكما يفعل جهلاء الظلام ، المنضوين بحكم موقعهم الطبقي الي الاحزاب التقليدية، والذين ينتظرون الإشارة عند الملمات . كنا عند الملمات ننتظر التوجيه الآتي من هناك؟والذي هناك قد يكون بشرآً ممتازاً! إلهاً او..../؟؟؟؟؟؟؟؟. حتي كأن المبادرات لم تخترع بعد، او كأن الفاعليات رهن نتصريح إلهي؟؟؟
صديقيهناك إشارة لي في مقال « شكراً شهدت عصر مصر» وعلي الرغم من تعاملي التحريري معه كنص؟إلا انني اشرت فيه الي تراكم الوعي القادر علي ارتجال الثورات، وتصحيح مساراتها عند ايهث بادرة انحراف كما فعل الشباب المصريون.
إدانة القصور هذه اعنيها تماماً [ترجمها م واجهة الذات]
إ٫ عقلية القذف والتخوين والمروق هي مؤشرات لامراض مزمنة، في حياتنا الثقافية ، وفي فضاء العمل العام. ففي مقالتي « الجانقي والجلابة، صور متبادلة في الواقع والكتابة» حاولت رصد العلاقة المربكة والمرتبكة بين النخبة الجنوبية، والنخبة الشمالية العربإسلامية، كما بين العوام علي الضفتين. ولكن المغالاة في تحقير الآخر   وقذفه والإقلال من شأنه، هي سمة سائدة حتي بين المثقفين الشماليين انفسهم، حتي لو كانوا من قبيل واحد؟ وبصورة اقسي من تلك التي بينهم وبين المثقفين الجنوبين ، وان تشدقوا وتظاهروا بغير ذلك.
ربما لا تذكر المعارك المرة التي قادها الشاعر الكبير صلاح احمد ابراهيم من جهة ضد اننانسي [ عبد الخاق محجوب]
وضد رموز عامة اخري والتي كانت تنضح علقماً، وربما تذكر معركة الخاتم عدلان ،عبدالله علي إبراهيم والتي تفيض مرارة حتي بعد رحيل الخاتم ، وكانه الوحيد المطرود من جنة الاثر البائس ( محاسن الموتي) وحتي معارك عبدالله الحالية ، والتي يتلقي فيها الطعنات ويطعن!
لست قلقاً يا صديق. فما دمت اقرأ واكتب وارسم. وهناك من يراني ويقرأني ، فانا علي الطريق ، الصحيح وان كان طريقاً غير ممشيٍّ، ولكنني علي ثقةبان هناك ما شونكثرٌسيجدون ممشاي علي هذا الدرب المخترع.
ان نفسك الابية ابت ان تقبل سوء معاملة خدم المنازل. ولكني ساشركك في ما اسوأ واضل من صور الإستعلاء العربإسلامي.
هناك برنامج تلفزيوني تفدمه قناة النيل الازرق اسمه: «حكايات بيوت» [انظر هذا التصنيف المرزول] اتفت تاقبيلة ، بكل سوءآتها  ومعها اتفي العرق بكل لؤمه ليظهر البيت ،؛ من وراء التاريخ المكتوب؟ باعتبره احد تجليات العولمة في نسختها السودانية المشوهة .
في تلك الحلقةتناولت المذيعة،التي ليس فيها من مؤهلات مذيعة التلفزيون إلا ثوبها المتخم بسوء ذوق مصممه  والمنفر للرائي والمشتت للتركيز.واعطت الفرصة للمذيع الاوحد لكثرة وازدهار العمي الاذاعي ـ اعني عمر الجُزَلي ليقدم عائلته، معرفاً بها وبدورها التنويري [هههه].
قدم الجزلي والدته منتهيه الصلاحية،وفي تمثيلية قبيحة قبل جبينها،ثم قدم شقيقه وزوجته وزوجة شقيق آخر عائب، ثم قدم شقيقتيهكما اعطي بع ذلك الميكروفون لكل من قدمهم، ليقدموا قبحاً وقمامة!
واخيراً تذكر عمر شخصاً كانت تتحاشاه الكاميرا يمنة ويسرة. شخص صامة.، كأنه تعفف عن الكلام او يتعالي؟ ليقول المذيع الجهبز :(... شقيقتي من ام جنوبية وهي هنا لترعي والدتي . وانتهي التقديم ولولا سانحة تكلمت فيها الشقيقة الجنوبية لتخيلتها خرساء.
ارأيت؟؟؟؟؟؟؟
اليست هذه الصورة دعوة صريحة للتقئ؟؟؟
الفاضل :«تحدث عن نفسك يا صديق كما تهوي..» حين بلغتني هذه الجملة ملأتني زهواً. حتي كأنها المرة الاولي التي اسمع فيهامثل هذا التجمع من المفردات في مكان واحد. بل ودعتني للعناية بها ، حتي داخلني غرور محبب.فقلت: مصحفاً« لو كان البحر مداداً لنفد قبل ان تنفد كلماتي تجاه هذا الودالنادر والمقيم، في قلوب ووعي قلة كثرة من الاصدقاء.
صديقي الفاضل في رسالتك الكثير من الابواب، والتي كلها تفضي الي فضاء الصحبةوبهو الود.فلو تابعت الخول الي كل الابواب لما خرجت ابداً ، انا المشوق للكتابة إليكللوفاء بجزء ولو يسير من دينك المرهق،
كما ان رغبتي في التواصل طقت عليرغبة الدخول عبر كل ابوابك، والتي تقود كلها الي «الرفاقية»
مفتتح كلمتك تلك،بهو شاهق للصدق الذي قد يحملني الي الطرب ويعيد اليّ طفولتي كاملة. وبه اتناسي عمري وما يشير اليه العمر من واجب الحكمة. لم اعد امامك مهتم بالحكمة، قدر اهتمامي بالطرب الذي ملأ الاوردة وفاض هنا في هذه الكتابة إليك.
شكراً للكتابة يا الفضل [ وشكرا لزلة الوسطي التي اسقطت الفاً فصرت اخي ] وهذه ميزه الاخطاء المنتجة.اقول شكراً للكتابة، والتي لولا تزاحمنا وتلامس اكتافنا الكتابية في دروب الكتابة المزدحم بالكتابة واكاتبين، لما تعارفنا وتصادقنا، وكسبنا هذا الخير الصداقي الخيِّر. ولضاع مني كل هذا البهاء .
وشكراً للقراءة لأنها قادتنا الي دروب الكتابة.
شكراً لك يا الفاضل ،لأنك تقرأ وتري ما بعد النظر وتسمع فوق السمع،
كل ذلك قد تم وفق ما يسمي بالصدفة الموضوعية. لالتقيك كان عليَّ ان اقرأ وان ارسم،ثم اكتب، ولاعتدال طرفي المعادلة  وجب ان تقرأ وتكتب، وترسم بخامة الابجدية، صوراً عالية الحمولة وافرة الدلالالت.
الفاضل علمني استاذي سعد امير طه ان لا اعتني كثيرا، بالنقطة التي تشير الي الوقف الكامل، كأني به يُأدبني [لا تودع] بل دع الكلام مفتوحاًعلي فضاء«الله» وجهاته،لانه قد يقرر التناسل في غفلة مني، ليكمل ما عجزت المباشرة عن قوله.