الاثنين، 15 أغسطس 2016


حرد ة صغيرة ..38 ..عبد الله علي ابراهيم

النور احمد علي


الزمان:20/ يوليو 1971 م 
المكان: منزل ضمن منازل الكلية المهنية بالخرطم. 
ما جري عندها: 
كنا حشد من الرجال والشباب في ضيافة الشاعر الكبير عبد الله شابو، والذي كان وقتها استاذاً للديناميكيا الحرارية بالكلية، كنا ممتلئين باحداث يوم امس التاسع عشر من يوليو ذلك العام. وبعد احد اجتماعات اتحاد الكتاب والفنانين التقدميين «ابادماك» توجه الشاعر شابوا بدعوتنا لمنزله لاكمال السهرة هناك. 
كان الحضور كريماً: المضيف عبد الله شابو، عبد الله علي ابراهيم، الزين علي ابراهيم، موسي الخليفة الطيب، عبد الله جلاب، وطلحة الشفيع، وآخرون خبأتهم الذاكرة في تلافيفها، كنا جدُّ منتشين، وقد اضاف شابو بحضوره المحبب، وبما وفر لنا من محفزات الانتشاء، وبعد ان ابتلت العروق، وصعدت النشوة ابداننا حتي بلغت الرؤوس. وفجأة خرج صوت من العتمة يميني، كان الصوت غريباً علي ذاكرتي السمعية، قال الصوت: «علي بالطلاق ارجل اتنين في البلد دي انا وعبدالله اخوي» وقبل ان اتبين ان الصوت هو للزين علي ابراهيم، وانطلق صوت عبدالله، وقد كنت قريباً منه، قال عبد الله: «صدقت، لكن قدمت نفسك ساكت». كنا نعرف اسم الزين باعتباره شقيق عبد الله، ضحكنا لسرعة البديهة التي رد بها عبد االله، ولاحظت:انهما يتنافسان حتي في مزحة، عبد الله يريد ان يكون الاول حتي في المزحة. 
ضحكنا، وكتمت حيرتي وتعجبي من شقيقين يتنافسان في من يكون الاول، ولو كان الامر يتعلق بمزحة، وصحبت الحادثة معي في ما صحبت من خيرات عبد الله، كنا كلنا رجالاً وشباباً متلاحقي الكتوف، ولا اعرف سبباً لذلك التباهي في جلسة انتشاء؟؟!! هل هي النرجسية؟ ام عبادة الذات، والتي تسني لي لاحقاً ان الحظها في كتابات عبدالله ونصوصه العديدة. 
كنا ضيوفاً علي رجل قادر علي المرح والإمراح. 
والآن، وبعد مرور 45 عاماً، ادركت ان ما حدث ذلك المساء، لم تكن مرد مزحة تصدي لها عبد الله، ولكنها كانت تضخماً في الذات مصاب به عبد الله، وقد لعبت بروباقندا الحزب دوراً في ذلك التضخم، فهو يحس انه متفرد، ومعجب بذاته، حتي حدود ان اصبح حزب شيوعي مضاد للحزب الشيوعي، وكل عضوية الحزب بجانبه اصفار. 
لا احد ينازع عبد الله ثقافته وتميزه، واسهاماته الثقافية المتنوعة، ولكن ان يصبح ذلك الاحساس مرضاً، هذا هو المعيب. حيث اصبح ينظر، ويطلب من ناظريه ـ ان يرونه فوق الجميع ـ 
يتصور عبد الله، ان اسباب خروجه من الحزب تهم مظلة واسعه تشمل اهله الشقتاب، والازيرقاب، وقراباتهم، ثم كل ساكني حيّ الداخلة، وكتلة اليسار والديمقراطيين، ويضيف وسائر شباب السودان. هذا ماكان يتخيله عبد الله عن نفسه ان كل هذه الفئآت مهتمة بامره، وامر الاسباب التي ادت به الي الخروج من الحزب، ويهما، بعد ان طال انتظارها ثمانية وثلاثين عاماً ليقول لها عبدالله ماذا حصل في ذلك التاريخ حتي تعود لمواصلة حياتها التي اوقفتها حتي تعرف اسباب خروج عبد الله عن الحزب الشوعي السوداني!! 
وربما كان يتصور ان مجرد اعلان هذه الاسباب، ان تقلب الطاولة علي رأس الحزب الشيوعي، وتزيل الظلم الذي لحق وبالمثقف في صورة عبدالله، 
ان توسيع المظلة التي يتوجه اليها عبد الله باسباب خروجه من الحزب، تدعو للحيرة والدهشة والاستغراب. فعبد الله يعرف تمام المعرفة ان من بين هذه الفئآت الهلامية والمتداخلة، عمرياً وطبقياً، هناك فئة واحدة كان يهمها ان تعرف اسباب خروج عبد الله من الحزب الشيوعي، وقد «بققت السنتها» من السؤآل باكثر من اسلوب، هذه الفئة هي فئة «الزملاء في المؤتمر السادس للحزب الشيوعي السوداني، ومازاد عنها يبقي في حدود فائض الكلام ؛شأن ورقته كلها، المملوءة بالكلام، 
فمثلاً؛ «اهلي من الشقتاب، والازيرقاب، وقراباتهم» لا يعدو ان يكون تكبير كوم عبد الله بما يبقية اولاً. فهم كاهلنا جميعاً لا يعروفون كيف تفكر او ما هو انتمائك، إلا إذا اعتقلت، لحظتها قد يقلبون انظارهم في السماء بحثاً عن فهم لما يحدث، فقد لايصدقون ان ابنهم شيوعي، وقد يتقبلونك بحكم علاقة الدم، ولكنهم لا يهتمون ان كنت في الحزب الشوعي او في «حزب الله». فالامر لا يعدو الرغبة في توسيع دائرة الاهمية، التي تقع ضمن تضخم الذات المصاب به عبد الله. ان التداخل بين هذه الفئآت لا يمنعنا من محاولة فهم اقحامها في هكذا مسألة؟ فانا طوال علاقتي بعبد الله علي ابراهيم، والتي زادت عن الـ 40 عاماً، لم اسمع عن اهله الشقتاب الازيرقاب واقربائهم، ولم اكن مهتماً ان اعرفهم، فلم يكن لهم دور في العمل الثقافي الذي يتولي حراسته عبد الله. كنت مكتفياً بعبدالله علي ابراهيم، الكاتب والمثقف، والذي انضم باختياره الفكري الي اهل جدد، كنت قد انضممت اليهم بعده زمانياً وهم : «زملاؤه في الحزب الشيوعي السوداني، هذه هي الصلة، التي كانت كافية لمعرفة عبد الله، عضواً بهذا الحزب وخارجاً عليه. 
ولذلك اري ان الفئة الوحيدة الجديرة بالتوجه اليها لتبيان ذلك الخروج، والذي كنا ننتظره خروجاً نموذجياً من مثقف بحجم عبد الله، ولكن عبد الله وزع دم خروجه علي القبائل، دون مبرر موضوعي، 
وعلي الرغم من ان الكثير من الذين كان يهمهم ان يعرفوا لماذا خرج عبد الله من الحزب «قنعوا منو»، ليس يأساً، ولكن لأنه في الـ 38 سنة التي اعقبت خروجه، قال الكثير، وكتب الكثير الذي يفسر اسباب خروجه، والشاهد ان هذه الورقة والتي كان طموحها ان تعدد اسباب خروجه، لم تضف شيئاً لم يتوقعه القارئ. 
كما ان الحائط القصير الذي اشاده عبدالله: «وقتي المناسب»، هذا الحائط كان اقصر من ان يداري سوءات هذه الكتابة ، او نصوصه الاخري الموزعة علي مدار هذه السنوات الـ38. وما حرص ان يكون حائلاً من «ان يكون خبراً تذروه الالسن» قد اوقع ماهو اسوأ من تذرية الالسن. يا عبد الله، هذا «ضحك علي الدقون» ظللت صامتاً ثمانية وثلاثين عاماً، كأنك تداري لغماً هائلا تخشي انفجاره في وجه كل المنتظرين لمعرفة اسباب خروجك، كيف سمح لك خيالك الخصيب، ان تحتفظ بما تراه سرياً ثمانية وثلاثين عاماً، دون ان تلوكه الالسن؟ 
اطمئن يا عبد الله، لقد لاكته الالسن، (وقصعته جِرّة) واخرجتك، علي الرغم من تشبثك الدائم والمغلوط بانك هناك، اخرجتك من الملّة، ونسبتك الي ملّة انت منها بنصوصك، تحميها وتصون وجودها الدموي، دون ان تختلج لك خلية ثقافية؟ 
ان الفئة التي كانت تنتظر ان تعرف منك لماذا خرجت، كانت تتوقع بتوصيفك كمثقف ان يكون خروجك درساً من مثقف لكيفية الخروج الشجاع. ولكنك خذلتها بصمتك علي ما لحقها من اذي بيروقراطية الحزب، وخذلتها الآن، وانت تقدم المببرات الواهية عن سبب ذلك الخروج. كانت تنتظر منك موقفاً فكرياً قويا وموثقاً، خاصة وانك كنت تعمل من اجل جذب المثقفين للعمل الحزبي، وإذا بك تنفرهم وتقدم نموذجاً سيئاً للمثقف، حين يتولي قيادة العمل الثقافي. 
صحيح ان المثقفين فئة قليلة العدد في الحزب، ولكن يتوقع ان تكون عديدة بفكرها وثقافتها واعتباراتها.. كانوا يتوقعون منك وانت تمثلها في مطبخ صنع القرار السياسي والثقافي، ان تكون مدافعاً صلباً، عن دور المثقف الريادي واهميته لتطور الحزب التقدمي ولعمله. ولكنك لم تفعل، بل قنعت بان تكون موظفاً طيعاً امام سطوة بيروقراطية الحزب، واضعت هيبة المثقف! 
سكت يا عبد الله في الوقت الذي يجب ان تتكلم فيه، دفاعاً عن الثقافة والمثقفين، في ريادة الحزب. 
« وما ان بدأ الاجتماع حتي فوجئت بالتيجاني يخطرنا بان المكتب االسياسي قد قرر حجب كتابنا « مسائل في التعليم الحزبي»، يناير 1978، بعد طباعته، وانتظرت قليلاً فلم يأت بشئ، وانتظرت احتجاجاً من سيد احمد، فلم يزد عن قوله، «طيب نمشي للبند االبعده» 
يا رب المسؤولية؟! هل انت فعلاً عبد الله علي ابراهيم، الاول الذي رضيناه ورضته قيادة الحزب لتولي قيادة العمل الثقافي؟؟ والذي قدم كل مساهماته الثقافية، وهو موظف بالحزب الشيوعي السوداني باسمه. 
لماذا يا عبد الله تنتظر قليلاً اوكثيراً؟؟ اليس من صميم مسؤوليتك ان تدافع عن المثقفين وعن الفعل الثقافي؟ وماذا تنتظر من بيروقراطي حزبي يري قائد العمل الثقافي بمثل هذا الخور؟ كيف تتوقع منه ان يحترم الفعل الثقافي، ومنتج الفعل نفسه لا يحتاز الغيرة اللازمة لاحترام عملة. لماذا لم تنفجر في وجهه غضباً، بحكم مسؤوليتك؟ لماذا لم تثرها لاحقاً كقضية فكرية، لتعري بيروقراطية الحزب؟؟ ثم تأتي بعد ثمانية وثلاثين عاماً وفي «قتك» المموه لاغراضك الخاصة، وتريد ان تفجرها كقضية ثقافية؟ من اىّ موقع تثيرها ياعبد الله؟ وانت علي الضفة الاخري من موقع الحزب؟ هل تثيرها حرصاً علي موقع المثقف في الحزب؟؟ ام لتهد المعبد علي من فيه وانت بعيد تتفرج؟؟ 
ثم عودة الي الحائط القصير والذي تستبق به الاسئلة، ولتقطع الطريق علي المتسائلين، لماذا الانتظار كل هذه السنوات؟ اعني حائط «وقتي المناسب» 
ونحن نعرف ان الوقت، يكون للاقطاب، ولكبار المنقذين في تاريخ البشرية، ولاول مرة نعرف ان لك وقتاً غير وقت البشر، ولكننا سنحاول ان نقرأ ملامح وقتك! 
ولك وقتك اظلَّ، دون ان تبدأ الطبيعة اعلان وقتك، بارسال الإشارات الدالة علي قرب وقتك! 
سؤآل اخر لم يمنعنا حائك القصير «وقتي المناسب» من طرحه، هل وقتك المناسب، يتطابق مع اعتكار المناخ السياسي العام، بما يوفر مناخاً طيباً للصيد؟!! 
وهل وقتك الخاص يتطابق مع اعتكار ساحة الحزب الشيوعي، حيث بانت ملامح ازمة داخلية، طرفها شباب الحزب يثير اسئلة شيخوخة القيادة ولابتعاد نسبياً عن العمل الحزبي، وصراع داخلي حول قيادة الحزب؟؟ هل هذه هي ملامح وقتك المناسب؟ الذي انتظرت 38 عاماً ليحين، وانت منتش لمثل هذا الوقت؟ 
يا عبد الله، ما فشلت ان تطرحه وانت علي رأس عملك في الهئآت العليا في الحزب تريد ان تطرحه بعد ان غادرت موقع المسؤولية والحزب كله ، وتريدنا ان نصدق انك حريص علي موقع المثقف داخل الحزب؟ الا تري ان هذه مفارقة مضحكة. حتي لا يقال انك تثير الزوابع في اوج فرحة الشيوعين بمؤتمرهم؟ 
لا اتصور ان موقعك الآن يسمح لك بالنزاهة المرجوة لمثل هذا الطرح، 
هل تصورت ان شباب الحزب الغاضب، والذي خاطبته ضمن «الشباب السائر» يمكن ان يحملك علي الاعناق، لتقود حزباً يهتم بالمثقفين؟؟ 
من يقرأ ورقتك، يخيل اليه انك قلت كل شئ في شأن هذه القضية في خطاب استقالتك، والذي لخصه بيت الشعر المتعالي: 
«وإن قدرت الا تفارقهم فالراحلون هم» 
حسناً هذا هو ملخص كتاب استقالتك بكل ما فيه من كبر واستعلاء علي مؤسسة عمرها سبعون عاماً، وقدم مؤسسوها الكثير من العرق والدم لتبقي وتسهم في حياة الناس.حسناً، انت الاول،انت اكبر من الحزب ومن كل الشوعيين، بل انت الشوعي الوحيد؟؟؟ اين نص خطاب الاستقالة، ؟؟ وان كان كل ما قلته في هذه الورقة موجود في ذلك الخطاب،؟؟ وإلا فبيننا وبينك التاريخ!! 
ان كان لديك نص ذلك الخطاب، فاننا ننتظره، لكن نرجوان لا ننتظر 38 سنة اخري لنري ذلك الخطاب، ان كان موجوداً، وإلا صدقت الرواية الاولي والوحيدة والتي تقول هي ورقة صغيرة، وملخصها: 
«خطي كتبت علينا ومن كتبت عليه خطي مشاها» 
وقد قلنا رأينا فيه في مكان آخر من منازعاتنا معك. 
« اتفق لي وقتها ان هذا القرار من باب الاعتداء علي مثقفٍ اثناء اداء واجبه، فقد تفرغت للحزب في اطار خطة للحزب بجذب مثقفين يعملون كمثقفين للعمل بداخله» 
اولاً كيف تسني لك ان تسكت علي اعتداء علي موظف اثناء اداء عمله؟ وانت كنت رمز للمثقفين وممثلاً لهم في احدي هيئات الحزب القيادية 
وإذا كنت موكلاً بجذب المثقفين للعمل في الحزب؟ من جذبت؟ وطيلة عملك موظفاً بالحزب، لم يصعد بجانبك ايّ مثقف بقامتك اوقريباً منك. ويبدوا ان كنت مرتاح لتك الوضعية حين ان طوحك ان تكون الاول بلا ثان! 
كنت تعرف يا عبد الله ان الحزب يتعامل مع المثقفين، كابواق للنشاط السياسي، وكنا نستبشر خيراً بوجودك في قيادة العمل الثقافي، وتصحيح وضع المثقف في هيئآت الحزب، ولم يتغير هذا الوضع بوجودك ممثلاً للمثقفين، بل انهزمت وهزمتنا معك امام اول تحد يواجه عمل المثقف في هيئات الحزب؟ وسكت!! وهذه هي شمتك لتصرخ بعد 38 عاماً « النمر النمر هجم النمر» حين كان النمر قد انجز مهمته النمرية وانصر لشأنه. هذه نكتة غير ظريفة! 
انت قصرت في اداء وظيفتك يا عبد الله، وسمحت بإهانة المثقفين في شخصك، حتي إذا ما بقي بينك وبين خطتك المبيتةإلا ثلاثة اشهر، وتصادف منع كتاب للتعليم الحزبي، وكونك مساهم فيه، حتي غضبت، ولم يكن غضبك غيرة علي المثقف ومكانته في الحزب، ولكن من اجل كتاب لك فيه مساهمة،. بل وطوال وجودك في وظيفة «مثقف» لم نسمع ان خضت معركة من اجل وضع المثقف في الحزب. وحتي عندما واتتك الفرصة لخوض تلك المعركة سكت، لأن سيد احمد لم يبادر نيابة عنك بالاعتراض؟؟ وكل ما فعلته انك (حردت) 
كثيراً ما قلت بايجاز لمن سألوني لماذاترحلت عن الحزب الشيوعي، انهم لم يحترموا التعاقد بيني وبينهم، كما وقع عليه استاذنا[ برضك اساذنا]!! 
من هم يا عبد الله، وكأني بك تتكلم عن مقاول انفار، اتفق معك واخل باتفاقه؟ وليس حزب مؤسسات يحكمه دستور ولوائح، ولك حقوق دستورية ولائحية كما عليك واجبات، والصراع الفكري مكفول بدستور الحزب، فما الذي كان ينقصك لتقود صراعك ان كان هناك ما تصطرع حوله؟؟ 
ان الحزب ليس حزب عبد الخالق، وانت لست في موقعك ذلك، عبد الله علي ابراهيم، انت موظف ثقافي تصدي للعمل في حزب مؤسساتي، تعرف تماماً حقوقك وواجباتك الدستورية. 
ان تقصير في وظيفتك، هو الذي اغراهم بالاعتداء عليك شخصياً، وعلي المثقفين في صورتك.فلو تصديت لهم وقدت معركتك بشجاعة، لما اعتدوا عليك لعملوا حسابهم في التعامل مع المثقفين عموماً 
وها انت تعود بعد 38 سنة،وانت خارج الحزب لتقود معركة المثقف والحزب، هذا امر يدعو للعجب! 
ماذا نفعل بكل هذا الذي اذعته؟ 
وبما انني اشك في ان هناك خطاب استقالة اصلاً، فانت رحت تراجع موقف الحزب من المثقفين، حتي تلك التي حدثت بعد خروجك، لتضخيم ملف القضية، فكلها تقع ضمن التبريرات، وحظها من الاصالة متواضع. 
يا عبد الله ان المثقف الذي يسكت عن قضية اساسية تهم موقعه في حزب طليعي ؛ يسكت 38 عاماً، ويطرحها بعد ان يغادر الحزب، تصبح اثارته لها مكان الشبهة في اجندة غير معلنة تمس الحزب نفسه وليس المثقف في الحزب. فبعد خروجك يا عبد الله ثارت كثير من الشبهات حول مواقفك السياسية كلها. وسكت ايضاً. وان سكوتك يغري بدلق المزيد من الشبهات حول كل مواقفك السياسية ، ويجردك من المصداقية 
ان غياب خطاب الاستقالة واهميته لجهة هذه الورقة، جعلك تضيف لاسباب خروجك احداثاً وقعت بعد خروجك، فانت تتكلم عن دورة فبراير 1995، ثم اتيت علي قضيتي الحاج وراق والخاتم، مع ما يلزمك من لمز في حق الخاتم ، حتي كأنه ينافسك علي الاولية بالنسبة للحزب، وعدت للطعن في رجل هو في رحاب العدم. 
ما علاقة مراجعتك لما كتب الخاتم باسباب خروجك؟ 
الخاتم خرج من الباب، كان واضحاً كنصل، وطاهراً كوضوء. وكل ذلك موثق في خطاب الخروج، اما انت فخرجت في صمت كعادتك، بانتظار وقتك؟؟!! ثم عدت بعد 38 عاماً، وبدل ان تسرد اسبا خروك بوضوح، رحت تتسلق بلاغتك المعهودة لتضلل عن الاسباب التي لم تقلها صراحة، ورحتتتسقط الاخبار وتجمعها وتربطها كقضية تخص المثقف [ والذي هو انت] وقد استمر اختراعك وتأليفك عمراً باكمله 38 عاماً. 
لا نتوقع من الذكاء ان يكون معيناً في كل الاوقات، فقد يخون احياناً، خاصة في حلات الاضطراب والتشتت النفسي، في حال الانتقال من موقع لآخر... 
«صار بعدنا «خالي ذهن» يا عبد الله هل «نا» المتصلة ببعد هذه تعني بها فعلاً الكوادر الثقافية التي هجرت الحزب، او اجبرت علي تركه، ام تعني بها عبد الله علي ابراهيم؟ 
علي كل انا لا استبعدان تعد خروجك من الحزب، جعل الحزب خالي الذهن؟؟ ان هذا التضخم المرضي في الذات هو الذي يوردك موارد الغلط. 
وإذا كنت تعتقد ان الحزب بعد خروجك اصبح «خالي الذهن» فلماذا تطرح عليه هذه الورقة؟؟ 
وعلي كلٍ هاهو الحزب الشيوعي خرج سالماً مما توقعته له، كما خرج قبل ذلك من الكثير من المطبات الوجودية. صحيح انه مازال يعاني من آثار تلك الظروف ككل كائن حي. ان كل المطبات التي اجتازها تدل علي حيويته، وان ذهنه مازال عاملا وبخير.