الهمبول
قال شيخنا ود تكتوك في قولٍ متروك :«يا الهمبول يا الخوف المجهول يا البخوفو بيك الطيور باكر يخوفو بيك العقول»
و«الهمبول» لغة امتياز خاص بفصيحة السودان.حيث يصعب في التصريف العثور علي جذر ثلاثي تبني عليه مراحل التصريف الطبيعية، مما يصعب عمليتي الاشتقاق والحفر علي الاثر. وفي فصيحة السودان«الهمبول» يعني العلم ( معجم العامية السودانية للدكتور عون الشريف قاسم. مادة: هَمْبَل): كونه خرقةتعلق علي عود، وهذا جوز لشاعرنا ود شوراني،ان يسمي العلم همبولاً. وفي احدي لغاته : الهواب. وهو بصفته هذه يشترك مع كل همبولات الشعوب الاخري. فوظيفته فيها كلها تشير الي الخوف؛ او هو (الامبلم) الخاص بالخوف.
وفي فصيحة السودان اشتقوا من وظيفته وصوته الغوي: «الهمبوكية» وقالوا فيها: « حيوان خرافي يخوف به الاطفال» وهو كما ترون ذو صلة مباشرة بالسيد المبجل الخوف.
والخوف غريزة طبيعية، وضرورية احياناً لدي الكائن البشري، خاصة ،انه يدفعنا للدفاع عن ما نخاف عليه، ايّاً كان هذا الذي نخاف عليه. وعلي وجه الدقة إذا كان ما نخاف عليه هو وجودنا ذاته، وبالتالي يصبح «الهمبول» انتاج حصري لصناعة الخوف،
لقد كانت صناعة الخوف؛ التي كانت متواضعة مع تواضع معارفنا. ولكنها ازدهرت مع ازدهار تلك المعارف حتي مشارف العولمة، والتي اصبحت همبولاً كبيراً، سواء لمن انضم لركبها، او لمن لم ينضم، او لمن لم يزل متردداً.
في الرابط الملحق بهذه الفقرة، وفي خيط ابتدره الصديق الشيخ محمد الشيخ بعنوان «اخطر قرار اتخذته في حياتي» ذكرتُ حكايتين، في مداخلتي، الاولي هي محور بوست الشيخ، والثانية حكاية حدباي بن خالي. وفي الحكايتين ظهر الهمبول،ليعري ان الخوف ليس كائناً خارجياً بهيئة، يمكن ان يصادفنا في الطريق العام، فيلقي علينا تحيته المخيفة، فيملأنا رعباً ويمضي لحال سبيله، ولكن تبين انه كائن خاص بكل فرد منا كل حسب بنية وعيه ودرجة ارتقائها في سلم الفاعلية، فكلما ارتقت بنية الوعي، اصبحت اسئلة الخوف، قابلة للمواجهة، وارتفع حافز الاجابة الصحيحة، ويصبح الهمول اشارة الي الخوف وليس الخوف ذاته. وفي حالة تدني الوعي، يصبح «الهمبول» [امبلم الخوف] هو الخوف نفسه.
انظر الرابط:
http://sudan-forall.org/forum/viewtopic.php?t=6876&postdays=0&postorder=asc&start=30&sid=dde83eb08d222c98b81c6b9873270812
ففي حالة الشيخ، ظهر «الهمبول» الذي تشكل بفعل صدفة طبيعية، لم يخطر الخوف علي بالها لحظة التشكل،ولم تكن سوي خرقة حملتها الرياح والقت الصدفة شجرة اعترضت طريقها، فكان «همبول الشيخ» وعند لحظة المواجة الاعتباطية،شحذ الشيخ وعيه المضمر في تكوين النشأة، وكانت لحظة فارقة في حياة الشيخ حيث قرر مواجهة خوف مموه في شكل الهمبول، وانتصر الوعي المختزن، فوعي الشيخ الدرس:ان الخوف ليس كائناً خارجيآ، بل لصيق بحالة الوعي.
اما في حالة حدباي، فهو رجل امي كامل الامية، واقصي ما يرعبه هو ما يهدد وجوده ذاته، وغريزة الخوف علي الحياة، هي غريزة حيوانية بامتياز، وعليه فحدباي لم يكن لحظتها علي استعداد للمغامرة بحياته، وذهنه لم يكن يعمل بكفاءة تمكنه من فهم ان ما يراه ليس إلا «همبولاً». وذهب ذهنه وفق استعداده الطبيعي، ان ما يراه هو ما يهدد حياته، لذلك لم يتقدم، فيواجه ولم يهرب لان الخوف قد شل كل قواه. فثبت في مكانه حتي ينجلي الامر علي ايِّ وجه،
وكما رأينا فـ «الهمبول« قد تشكله محض صدفة،وقد يشكل بارادة وتصميم بشريين، ضمن صناعة الخوف التي تزدهر كلما تقدمت التشكيلات الاجتماعية، وكلما اشتدالصراع الاجتماعي بين مختلف طبقات المجتمع.
كانت نشأت «الهمبول» متواضعة وفق حاجته للخوف. وتعقدت مع تعقد تلك الحاجة
وكذلك تتعدد انواع «الهنابيل» بتعدد اغراضه، ففي الحالة البدائية: مزارع يخشي علي زرعه، فهو لم يكن بحاجة الي اكثر من خرقة وخشة لتشكيل هواب وفق قدراته التشكيلية. ويستمر في التعديل وفق اختباراته لكفاءت مخترعاته الهمبولية.
ومن تعدد معاني « الهمبول» التي ذكرها الدكتور عون الشريف قاسم في معجمه للغة العامية السودانية؛ والتي اصر علي تسميتها ( فصيحة السودان» من ضمن تلك المعاني العلم. ونحن نعرف ان رمز العلم يضمر مصالح المواطنة، والتي يشترك فيها كل افراد الوطن وهيئآته.
لنر كيف يكون العلم «همبولاً»: فقد تشكل في وجدان كل شعب، ومن خلال تكريس إعلامي وبروبقاندي، ان العلم هو رمز للامة وللوطن، فصغنا له قانوناً خاصاً يكرس احترامه، ومجال استخدامه فقط للاغرض الوطنية، واستوجب القانون والوقوف عند رفعه، وبالتالي فاحترامه واجب علي كل مواطن وبالقانون، ونحن نعرف ما الذي يحدثه ذكر كلمة القانون لدي العامة.
ولكن قد يحدث الاعتداء علي الوطن وعلي المواطنة:[ كحالة الانقلابات العسكرية] ويظل احترام العلم قائماً كما كان في الظروف الطبيعية . ويستثمر الانقلابيون الاحترام المكرس قانونياً ووجدانياً للعلم، فيرفعونه علي مكاتبهم وعلي سياراتهم المتعددة، علي مساكنهم بل وتحتمي به عوائلهم. وهكذا يتحول العلم الي همبول كبير ليحمي القتلة والمعتدين، مستفيدين من حصانته.
وفي هذه اللحظة نشير الي ان القرآن ، تحول في لحظات فارقة في تاريخ الدولة الاسلامية الي «همبول» كبير احتمي به سندنة الاسلام السياسي، حين اوشكت هزيمته التاريخية ان تحل في حرب «صفين» والتي حدثت بعد موقعة الجمل. وما هو معروف من ملابسات تلك المعركة التاريخية، انه وقرب نهايتها او شك جيش معاوية علي الانكسار. فكانت خدعة التحكيم ، بعد مكيدة رفع القرآن علي اسنة الرماح. فبعد ان تبين لانصار معاويةعدم كفاءة الهمبول الذي كانوا يقاتلون تحته، انتبه ابو موسي الاشعري الي ضرورة استبدال ذلك الهمبول بهمبول يحمل قدراً من القداسة لتفادي هزيمة تاريخية بمعني تاريخية، وليس هناك من همبول افعل في مثل هذه اللحظات اكثر من القرآن، وهنا تتجلي عبقرية ابو موسي الاشعري، ومشت الخدعة وانتصر الاسلام السياسي، ذلك الانتصارالمتجدد حتي اليوم في العديد من اثواب الاسلام السياسي.
**عمرو بن العاص هو من اشار علي معاوية بمكيدة رفع القرآن علي اسن الرماح، محكمه ومتشابهه. ومع تقدم تعقيدات التشكيلات الاجتماعية ، تقدم الاسلام السياسي ، خطوة في رفع «همبول» المقدس بعد اختبار كفاءته في حرب صفين،فكانت آية الحاكمية المقتطعة من سياقها التاريخي، لتسويغ عنف الاسلام السياسي، تجاه المجتمع وتجاه كافة الانظمة الحاكمة، التي لا توافق مزاجها الابعادي التكفيري.
و«الهمبول»قد يكون الجندي الذي يحرس مكتب المعتدي،او بيته او اعائلته، او العسكري الذي يقود سيارته، وقديكون كلابه الامنية، اوكل انظمته التي يعتمد عليها في ادامة بطشه.
ولكننا نعرف ايضاً ان «الهمبول» ليس الخوف لكنه علامته التجارية. فالخوف الحقيقي يكمن داخل المُخَوَّفْ. ونحن نعرف ايضاً، متي وعينا، ومتي اشعنا الوعي في محيطنا، كلما اصبحت هزيمة الخوف ممكنة.فالوعي هو المِصدْ الاكثر كفاءة في هزيمة الخوف وابطال مفعول علامته التجارية [الهمبول]. وهذا ما يتحاشاه المستبد المستفيد الاول من صناعة الخوف.
ومتي تنامي الوعي والوسائط التي تدعمه،تنامي خوف المُخَوِّفْ، وتنامت محاولاته في تنوع صناعة الهمبولات، وبالذات في هذا الوقت، الذي تتسع فيه، وتتنوع وسائط المعرفة والاتصال الجماهيري، وتتسع فيه ايضاً امكانية كسر حواجز الخوف التي راكمتها، صناعة الخوف عبر عصور الاضطهاد الجماهيري،وتتعدد ايضا اشكال الهمبولات، والتي يحلم تجار صناعة الخوف لإبقائه فاعلاً. وهي لاشك همبولات اكثر تعقيداً، واشد فتكاً وإخافة.
لنفترض انك احد المتعاملين مع وسائط الاتصال الجماهيري الحديثة، وانت في قمة تواصلك واندماجك ، قد تواجه ب spam تعترض تواصلك، وهي همبول حداثي دائم الترصد بك. وقد تصلك رسالة من صديق بحث عنك بحثاً مضنياً ولكن عند تصل الرسالة الي باب بريدك يعترضها همبول حداثني آخر فيحولها ال الـJUNK MAIL بدعوي ان اسم مرسل الرسالة ليس ضمن الـCONTACT LIST الخاصة بك. والهمبول ليس بدليلاً للغول الخاص او غول الداخل. فالغول الخاص والذي تشكل مزاجه خلف المثل « الضايق قرص الدبيب بخاف من مجر الحبل» وحين يكتشف صناع الخوف هذا المزاج فانهم يشغلون دروبك بالملايين من مجرات الحبال فيديمون خوفك الخاص فتظل حبيسك، اما غول الداخل اي غول فضائك الاختياري بحكم تكوين وعيك واعتصامك الوجودي، وفي حالة ( التقدميين!) فهذا الغول مهجوس بالتخوين، متي تبين تباعداً في الرؤي، او بالتأمين، توأم التخويين، والذي يشير الي التكلس، والانكماش المفضي للانكشاف، والضمور الحركي.
وقد عبر عن هذه المخاوف محجوب شريف حين قال:
زولاً تريده وتشتهيه
تلقاه في
لا يقولو ليك مختفي
لا يقولو ليك ما تمشي ليه
وفي«ما تمشي ليه» هذه هي الـ «همبول» الذي يخبئ الخوف في احواله كلها، ولنا فيها مخزون طيب من الخوف والتخويف إما بدعوي التأمين وإما بدعوي التخوين. وهذه تحوم كثيراً حول السواطة ،وثرثرة القعدات الخاصة غير البريئه، بعيداً عن ضوابط العمل التنظيمي المؤسسي. وهذا مما يراكم كماً معتبراً من الهمبولات وكماً معتبراً من الخوف.
في مثل هذه الاجواء، تنشط صناعة الخوف تتبعها نشاطاً صناعة الهمبولات،حسب نوع الوسيط الاجتماعي الذي تتعامل فيه، فمثلاً في الانترنت؛ فقد تجد في بريدك الخاص رسالة عن شخص تحبه ويحبك، ولكن معها تحذير يحملك مسؤولية فتحها، بزعم انها يمكن ان تكون حاملة لفيروس، قد يهدد جهازك،او ان ذلك الشخص مشبوه، او اي من المشوهات . انه الخوف! فما لم نتحصن بالصداقة ومتطلباتها فقد نضل ، وقد نفقد الكثير من اصدقائنا وصداقاتنا.
وفي مرات كثيرة قد لا يكون لديك ما تخاف منه او تخاف عليه ، ولكنك مع ذلك تخاف. وهذا نجاح همبولي بامتياز مصداقاً لقول المعري:
هب من له شئ يريد حجابه ما بال لاشئ عليه حجاب
وهكذا تتعد طرائق تشكيل الهمبولات، سماوية ارضية وتتعدد بالتالي نجاحاته في تضمير رسالة الوعي المنوط بها كسر حواجز الخوف،
والهمبلات السماوية اكثر تنوعاً وانتشاراً في محيطنا التواصلي، فهي متوقعة دائماً في تلفوناتنا (*** انظر الرابط لخيط هاتفي للصديق حسن محمد موسي) وفي إيميلاتنا، وهدفها دائماً اشاعة الخوف المعطل للهمم. فأي جبل نحتمي به ليعصمنا من الخوف.
***http://www.sudan-forall.org/forum/viewtopic.php?p=65997&highlight=&sid=b27a1e444c94ccf07cc9da3a6cfe8f9b#65997
**نبهني صديق عزيز الي ان عمرو بن العاص هو من اشار بمكيدة رفع القرآن علي اسنة الرماح، وليس ابو موسي الاشعري كما كنت اظن وهو علي حق. «*عن أبى مخنف : لمّا رأي عمروبن العاص أنّ أمر أهل العراق قد اشتدّ ، وخاف فى ذلك الهلاك ، قال لمعاوية : هل لك فى أمر أعرضه عليك لا يزيدنا إلاّ اجتماعاً ، ولا يزيدهم إلاّ فرقة ؟ قال : نعم .قال : نرفع المصاحف ثمّ نقول : ما فيها حَكَم بيننا وبينكم ، فإنأبي بعضهم أن يقبلها وجدت فيهم من يقول : بلي ينبغى أن نقبل ، فتكون فرقة تقع بينهم، وإن قالوا : بلي نقبل ما فيها ، رفعنا هذا القتال عنّا وهذه الحرب إلي أجَل أوإلي حين .فرفعوا المصاحف بالرماح وقالوا : هذا كتاب الله عزّ وجلّ بينناوبينكم ، مَنْ لثغور أهل الشام بعد أهل الشام ؟ ومن لثغور أهل العراق بعد أهل العراق !فلمّا رأي الناس المصاحف قد رُفعت ، قالوا : نُجيب إلي كتاب الله عزّ وجلّ ونُنيب إليه ».
و«الهمبول» لغة امتياز خاص بفصيحة السودان.حيث يصعب في التصريف العثور علي جذر ثلاثي تبني عليه مراحل التصريف الطبيعية، مما يصعب عمليتي الاشتقاق والحفر علي الاثر. وفي فصيحة السودان«الهمبول» يعني العلم ( معجم العامية السودانية للدكتور عون الشريف قاسم. مادة: هَمْبَل): كونه خرقةتعلق علي عود، وهذا جوز لشاعرنا ود شوراني،ان يسمي العلم همبولاً. وفي احدي لغاته : الهواب. وهو بصفته هذه يشترك مع كل همبولات الشعوب الاخري. فوظيفته فيها كلها تشير الي الخوف؛ او هو (الامبلم) الخاص بالخوف.
وفي فصيحة السودان اشتقوا من وظيفته وصوته الغوي: «الهمبوكية» وقالوا فيها: « حيوان خرافي يخوف به الاطفال» وهو كما ترون ذو صلة مباشرة بالسيد المبجل الخوف.
والخوف غريزة طبيعية، وضرورية احياناً لدي الكائن البشري، خاصة ،انه يدفعنا للدفاع عن ما نخاف عليه، ايّاً كان هذا الذي نخاف عليه. وعلي وجه الدقة إذا كان ما نخاف عليه هو وجودنا ذاته، وبالتالي يصبح «الهمبول» انتاج حصري لصناعة الخوف،
لقد كانت صناعة الخوف؛ التي كانت متواضعة مع تواضع معارفنا. ولكنها ازدهرت مع ازدهار تلك المعارف حتي مشارف العولمة، والتي اصبحت همبولاً كبيراً، سواء لمن انضم لركبها، او لمن لم ينضم، او لمن لم يزل متردداً.
في الرابط الملحق بهذه الفقرة، وفي خيط ابتدره الصديق الشيخ محمد الشيخ بعنوان «اخطر قرار اتخذته في حياتي» ذكرتُ حكايتين، في مداخلتي، الاولي هي محور بوست الشيخ، والثانية حكاية حدباي بن خالي. وفي الحكايتين ظهر الهمبول،ليعري ان الخوف ليس كائناً خارجياً بهيئة، يمكن ان يصادفنا في الطريق العام، فيلقي علينا تحيته المخيفة، فيملأنا رعباً ويمضي لحال سبيله، ولكن تبين انه كائن خاص بكل فرد منا كل حسب بنية وعيه ودرجة ارتقائها في سلم الفاعلية، فكلما ارتقت بنية الوعي، اصبحت اسئلة الخوف، قابلة للمواجهة، وارتفع حافز الاجابة الصحيحة، ويصبح الهمول اشارة الي الخوف وليس الخوف ذاته. وفي حالة تدني الوعي، يصبح «الهمبول» [امبلم الخوف] هو الخوف نفسه.
انظر الرابط:
http://sudan-forall.org/forum/viewtopic.php?t=6876&postdays=0&postorder=asc&start=30&sid=dde83eb08d222c98b81c6b9873270812
ففي حالة الشيخ، ظهر «الهمبول» الذي تشكل بفعل صدفة طبيعية، لم يخطر الخوف علي بالها لحظة التشكل،ولم تكن سوي خرقة حملتها الرياح والقت الصدفة شجرة اعترضت طريقها، فكان «همبول الشيخ» وعند لحظة المواجة الاعتباطية،شحذ الشيخ وعيه المضمر في تكوين النشأة، وكانت لحظة فارقة في حياة الشيخ حيث قرر مواجهة خوف مموه في شكل الهمبول، وانتصر الوعي المختزن، فوعي الشيخ الدرس:ان الخوف ليس كائناً خارجيآ، بل لصيق بحالة الوعي.
اما في حالة حدباي، فهو رجل امي كامل الامية، واقصي ما يرعبه هو ما يهدد وجوده ذاته، وغريزة الخوف علي الحياة، هي غريزة حيوانية بامتياز، وعليه فحدباي لم يكن لحظتها علي استعداد للمغامرة بحياته، وذهنه لم يكن يعمل بكفاءة تمكنه من فهم ان ما يراه ليس إلا «همبولاً». وذهب ذهنه وفق استعداده الطبيعي، ان ما يراه هو ما يهدد حياته، لذلك لم يتقدم، فيواجه ولم يهرب لان الخوف قد شل كل قواه. فثبت في مكانه حتي ينجلي الامر علي ايِّ وجه،
وكما رأينا فـ «الهمبول« قد تشكله محض صدفة،وقد يشكل بارادة وتصميم بشريين، ضمن صناعة الخوف التي تزدهر كلما تقدمت التشكيلات الاجتماعية، وكلما اشتدالصراع الاجتماعي بين مختلف طبقات المجتمع.
كانت نشأت «الهمبول» متواضعة وفق حاجته للخوف. وتعقدت مع تعقد تلك الحاجة
وكذلك تتعدد انواع «الهنابيل» بتعدد اغراضه، ففي الحالة البدائية: مزارع يخشي علي زرعه، فهو لم يكن بحاجة الي اكثر من خرقة وخشة لتشكيل هواب وفق قدراته التشكيلية. ويستمر في التعديل وفق اختباراته لكفاءت مخترعاته الهمبولية.
ومن تعدد معاني « الهمبول» التي ذكرها الدكتور عون الشريف قاسم في معجمه للغة العامية السودانية؛ والتي اصر علي تسميتها ( فصيحة السودان» من ضمن تلك المعاني العلم. ونحن نعرف ان رمز العلم يضمر مصالح المواطنة، والتي يشترك فيها كل افراد الوطن وهيئآته.
لنر كيف يكون العلم «همبولاً»: فقد تشكل في وجدان كل شعب، ومن خلال تكريس إعلامي وبروبقاندي، ان العلم هو رمز للامة وللوطن، فصغنا له قانوناً خاصاً يكرس احترامه، ومجال استخدامه فقط للاغرض الوطنية، واستوجب القانون والوقوف عند رفعه، وبالتالي فاحترامه واجب علي كل مواطن وبالقانون، ونحن نعرف ما الذي يحدثه ذكر كلمة القانون لدي العامة.
ولكن قد يحدث الاعتداء علي الوطن وعلي المواطنة:[ كحالة الانقلابات العسكرية] ويظل احترام العلم قائماً كما كان في الظروف الطبيعية . ويستثمر الانقلابيون الاحترام المكرس قانونياً ووجدانياً للعلم، فيرفعونه علي مكاتبهم وعلي سياراتهم المتعددة، علي مساكنهم بل وتحتمي به عوائلهم. وهكذا يتحول العلم الي همبول كبير ليحمي القتلة والمعتدين، مستفيدين من حصانته.
وفي هذه اللحظة نشير الي ان القرآن ، تحول في لحظات فارقة في تاريخ الدولة الاسلامية الي «همبول» كبير احتمي به سندنة الاسلام السياسي، حين اوشكت هزيمته التاريخية ان تحل في حرب «صفين» والتي حدثت بعد موقعة الجمل. وما هو معروف من ملابسات تلك المعركة التاريخية، انه وقرب نهايتها او شك جيش معاوية علي الانكسار. فكانت خدعة التحكيم ، بعد مكيدة رفع القرآن علي اسنة الرماح. فبعد ان تبين لانصار معاويةعدم كفاءة الهمبول الذي كانوا يقاتلون تحته، انتبه ابو موسي الاشعري الي ضرورة استبدال ذلك الهمبول بهمبول يحمل قدراً من القداسة لتفادي هزيمة تاريخية بمعني تاريخية، وليس هناك من همبول افعل في مثل هذه اللحظات اكثر من القرآن، وهنا تتجلي عبقرية ابو موسي الاشعري، ومشت الخدعة وانتصر الاسلام السياسي، ذلك الانتصارالمتجدد حتي اليوم في العديد من اثواب الاسلام السياسي.
**عمرو بن العاص هو من اشار علي معاوية بمكيدة رفع القرآن علي اسن الرماح، محكمه ومتشابهه. ومع تقدم تعقيدات التشكيلات الاجتماعية ، تقدم الاسلام السياسي ، خطوة في رفع «همبول» المقدس بعد اختبار كفاءته في حرب صفين،فكانت آية الحاكمية المقتطعة من سياقها التاريخي، لتسويغ عنف الاسلام السياسي، تجاه المجتمع وتجاه كافة الانظمة الحاكمة، التي لا توافق مزاجها الابعادي التكفيري.
و«الهمبول»قد يكون الجندي الذي يحرس مكتب المعتدي،او بيته او اعائلته، او العسكري الذي يقود سيارته، وقديكون كلابه الامنية، اوكل انظمته التي يعتمد عليها في ادامة بطشه.
ولكننا نعرف ايضاً ان «الهمبول» ليس الخوف لكنه علامته التجارية. فالخوف الحقيقي يكمن داخل المُخَوَّفْ. ونحن نعرف ايضاً، متي وعينا، ومتي اشعنا الوعي في محيطنا، كلما اصبحت هزيمة الخوف ممكنة.فالوعي هو المِصدْ الاكثر كفاءة في هزيمة الخوف وابطال مفعول علامته التجارية [الهمبول]. وهذا ما يتحاشاه المستبد المستفيد الاول من صناعة الخوف.
ومتي تنامي الوعي والوسائط التي تدعمه،تنامي خوف المُخَوِّفْ، وتنامت محاولاته في تنوع صناعة الهمبولات، وبالذات في هذا الوقت، الذي تتسع فيه، وتتنوع وسائط المعرفة والاتصال الجماهيري، وتتسع فيه ايضاً امكانية كسر حواجز الخوف التي راكمتها، صناعة الخوف عبر عصور الاضطهاد الجماهيري،وتتعدد ايضا اشكال الهمبولات، والتي يحلم تجار صناعة الخوف لإبقائه فاعلاً. وهي لاشك همبولات اكثر تعقيداً، واشد فتكاً وإخافة.
لنفترض انك احد المتعاملين مع وسائط الاتصال الجماهيري الحديثة، وانت في قمة تواصلك واندماجك ، قد تواجه ب spam تعترض تواصلك، وهي همبول حداثي دائم الترصد بك. وقد تصلك رسالة من صديق بحث عنك بحثاً مضنياً ولكن عند تصل الرسالة الي باب بريدك يعترضها همبول حداثني آخر فيحولها ال الـJUNK MAIL بدعوي ان اسم مرسل الرسالة ليس ضمن الـCONTACT LIST الخاصة بك. والهمبول ليس بدليلاً للغول الخاص او غول الداخل. فالغول الخاص والذي تشكل مزاجه خلف المثل « الضايق قرص الدبيب بخاف من مجر الحبل» وحين يكتشف صناع الخوف هذا المزاج فانهم يشغلون دروبك بالملايين من مجرات الحبال فيديمون خوفك الخاص فتظل حبيسك، اما غول الداخل اي غول فضائك الاختياري بحكم تكوين وعيك واعتصامك الوجودي، وفي حالة ( التقدميين!) فهذا الغول مهجوس بالتخوين، متي تبين تباعداً في الرؤي، او بالتأمين، توأم التخويين، والذي يشير الي التكلس، والانكماش المفضي للانكشاف، والضمور الحركي.
وقد عبر عن هذه المخاوف محجوب شريف حين قال:
زولاً تريده وتشتهيه
تلقاه في
لا يقولو ليك مختفي
لا يقولو ليك ما تمشي ليه
وفي«ما تمشي ليه» هذه هي الـ «همبول» الذي يخبئ الخوف في احواله كلها، ولنا فيها مخزون طيب من الخوف والتخويف إما بدعوي التأمين وإما بدعوي التخوين. وهذه تحوم كثيراً حول السواطة ،وثرثرة القعدات الخاصة غير البريئه، بعيداً عن ضوابط العمل التنظيمي المؤسسي. وهذا مما يراكم كماً معتبراً من الهمبولات وكماً معتبراً من الخوف.
في مثل هذه الاجواء، تنشط صناعة الخوف تتبعها نشاطاً صناعة الهمبولات،حسب نوع الوسيط الاجتماعي الذي تتعامل فيه، فمثلاً في الانترنت؛ فقد تجد في بريدك الخاص رسالة عن شخص تحبه ويحبك، ولكن معها تحذير يحملك مسؤولية فتحها، بزعم انها يمكن ان تكون حاملة لفيروس، قد يهدد جهازك،او ان ذلك الشخص مشبوه، او اي من المشوهات . انه الخوف! فما لم نتحصن بالصداقة ومتطلباتها فقد نضل ، وقد نفقد الكثير من اصدقائنا وصداقاتنا.
وفي مرات كثيرة قد لا يكون لديك ما تخاف منه او تخاف عليه ، ولكنك مع ذلك تخاف. وهذا نجاح همبولي بامتياز مصداقاً لقول المعري:
هب من له شئ يريد حجابه ما بال لاشئ عليه حجاب
وهكذا تتعد طرائق تشكيل الهمبولات، سماوية ارضية وتتعدد بالتالي نجاحاته في تضمير رسالة الوعي المنوط بها كسر حواجز الخوف،
والهمبلات السماوية اكثر تنوعاً وانتشاراً في محيطنا التواصلي، فهي متوقعة دائماً في تلفوناتنا (*** انظر الرابط لخيط هاتفي للصديق حسن محمد موسي) وفي إيميلاتنا، وهدفها دائماً اشاعة الخوف المعطل للهمم. فأي جبل نحتمي به ليعصمنا من الخوف.
***http://www.sudan-forall.org/forum/viewtopic.php?p=65997&highlight=&sid=b27a1e444c94ccf07cc9da3a6cfe8f9b#65997
**نبهني صديق عزيز الي ان عمرو بن العاص هو من اشار بمكيدة رفع القرآن علي اسنة الرماح، وليس ابو موسي الاشعري كما كنت اظن وهو علي حق. «*عن أبى مخنف : لمّا رأي عمروبن العاص أنّ أمر أهل العراق قد اشتدّ ، وخاف فى ذلك الهلاك ، قال لمعاوية : هل لك فى أمر أعرضه عليك لا يزيدنا إلاّ اجتماعاً ، ولا يزيدهم إلاّ فرقة ؟ قال : نعم .قال : نرفع المصاحف ثمّ نقول : ما فيها حَكَم بيننا وبينكم ، فإنأبي بعضهم أن يقبلها وجدت فيهم من يقول : بلي ينبغى أن نقبل ، فتكون فرقة تقع بينهم، وإن قالوا : بلي نقبل ما فيها ، رفعنا هذا القتال عنّا وهذه الحرب إلي أجَل أوإلي حين .فرفعوا المصاحف بالرماح وقالوا : هذا كتاب الله عزّ وجلّ بينناوبينكم ، مَنْ لثغور أهل الشام بعد أهل الشام ؟ ومن لثغور أهل العراق بعد أهل العراق !فلمّا رأي الناس المصاحف قد رُفعت ، قالوا : نُجيب إلي كتاب الله عزّ وجلّ ونُنيب إليه ».