السبت، 1 يونيو 2013

  1. ناصر بابكر خليفة
ما الذي يجعل ذكريات ستين عاماً. تظل حية، ومتقدة، ومتسائلة؟ هل هي الذاكرة لحظة رفضها فكرة الموت؟ هل لأن الحياة فعلاً من القصر،بحيث يصبح عبثاً، التضحية بأيِّ قطعة منها؟ هل لأن تقدم العمر يوسع ويكاثر من ثقوب الذاكرة السوداء؟
لقد امضيت العشرة سنوات الاخيرة، يدق في الذاكرة صوتك الشاتم لوسائل الاتصال الحديثة. علي الرغم من الخير الانساني الوافر الذي اصاب سبل الاجتماع الانساني،والتواصل البشري من خلال هذا الانفجار  المعلوماتي والمعرفي.
لم يكن صوتك ذاك، معزولاً عن لحم تلك الحيوات التي تشاركنا صناعتها، والتي اصبحت سداة في نسيج ذاكرة ترفض سطوة الظلام، وكل فقهائه ومروجي صناعة العوام. ان فكرة الموت ملازمة لفكرة التراب.. احدي العناصر المتحدةلصناعة هذا الكيس الذي نسميه بشراً. كيس من اديم يحوي عظاماً، واخلاطا، وخراء. ويسعي جاهداً في انتاج حياة جديرة بالحلم.. وهو انساني طبعاً؟
ولكن فكرة الموت ،او قل سطوته، تتردد كثيراً عند الاقتراب من حقل الذكريات . ذلك ان صناعة الذكريات تصبح احدي مكونات صناعة الحياة ، في فرز غير نهائي.
فتشت عنك كثيراً في هذه السماء التي قرُبت كثيراً بفعل هذه الوسائط «الملعونة».
في الحقيقة انا لا ابحث عن «ناصر بابكر خليفة» الذي فصلتني عنه سنوات متخمة باليباس، وقد ساعدت الجغرافيا في تسميك جلد الدياسبورا «بت الغلفة» ولكنني ابحث عن ناصر الذي اعرفة. واعرفه بحماس، كوننا تشاركنا صفوة ذلك المكان اليابس، وآخرين. وكوننا تشاركنا صناعة الذكريات النضرة. بحساب زمن التفتح والاحلام المجنونة.ابحث عن ناصر، الذي كان اول من عرفني ب«عزرا باوند» ناصر الذي عرفني علي «كائنات علي قنديل الطالعة» مشروع الطبيب والشاعر الذي غادر مبكراً بحدود الاتنين وعشرين عاماً (5/4 /1953 ــــ 17/7/1975 م)
علي قنديل الذي شكلت حماماته في « كائناته......» علما كبيراً في سماء البلاد التي شكلها  ضمن ما صاغ من كائنات.
ناصر الذي عرفني بـ ريلكه، الذي صرخ يوماٍ وهو في جنوب مصر،وقيل في ليلة شديدة البرودة؛ وقد اغراه النوم تحت تلك الاعمدة البالغة  الشهاقة لمعبد الكرنك،وذات صحوة صرخ:ـ
«آهٍ من العمود
ان التدمير جعله علي حق
انه يحمل ليل مصر»
هذا هو ناصر الذي افتش عنه ولن اتوه
ناصر قائد الهروب الكبير، الذي شتت جنده في برية الله، والتجأ الي ارومة زائفة، واضطرد جنده الي امتهان صناعة الكذب حتي ينجو من غضبة النظر ابراهيم السيد، وردتها علي «بسطونة» الماجري، او حسن يوسف جيلي؟
ابحث عن ناصر الذي يهوي التهويم، باحثاً عن معادله الموضوعي في خبايا الصمت، وقيل في صمت الحانات، وصمت السكاري الغنائي. وفي كهوف الذاكرة المسكونة بكل مجانين العالم، رامبو، نيتشة، فولكنر،اوغست سترندبيرج، ذلك الممسوس الذي وقف يوماً علي شاطئ البحر الاسود، ليصيح في حبيبته:ـ « ان مياه البحار هي دمائي،وإن حجارة العالم هي عظامي، موتي معي الآن، لأن اللحظة القادمة ستجلب الحزن»؟؟؟؟ وذلك في رائعته «الطريق الي دمش»
لدي طرف ذلك المجنون، والذي كان  يدعي قبل نحو النيف والثلاثين عاماً ناصر بابكر خليفة. لدي طرفه ذكرياتٍ حميمة وحية. اريدها ، نقطة نقطة، وحرفاً حرفاً، حتي تلك الكائنات التي كانت تحادثه من خلال الجدران. الخطوات التي مشيناها مراراً، بين الزندية والهشابة، في ذلك السهل الترابي صيفاً المائي في فصل الخريف، والموحش والعدائي شتاء
كما اريد فوق البيعة؛ كلَّ سكره العبقري، وذلك الهروب الامامي المتلاحق،وتلك السباحة الحرة فوق الواقع، من اجل رصده ام تجاوزه؟نحو واقع مازال قيد الخاطر؟؟؟؟
يا صاحب هذا العنوان السمائي، ان التقيت صديقي هذا، كاملاً او جزءاً منه، والذي افتقدته وهو بحدود الخامسة والثلاثين ، شاب ملئ بالشعر ، والسكر، والاسئلة . دلني عليه.
اريده في عناد ابن السابعة، والذي كان يعاني الامرين حين يرفض الذهاب للمدرسة، والذي اراه الآن من موقعي هذا رفض لذلك الفضاء الزنديِّ الموحش والفقير، والخالي من كل إشارات للحياة، ولكنه  لا يبين. او لم يدرب بعد اجهزة الرفض لدية بما يتلاءم واشتراطات ذلك الواقع،
إنه يختصر في يومه كل الحياة، حتي يرهق يومه كله.
دلني عليه ينوبك ثواب.
إنه جزئ اصيل من حياة كانت جديرة بالدفاع عنها، بالمشاركة في انتاج ادوات تسمينها، وتثمينها ضد غوائل الدهر، وضد الصدأ/
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق