10 ديسمبر 2013م/ الشارقة.
جهات الحنين
الفاضل9 يا صديق، كل جهات الحنين ودروبه تقودني إليك، كوني جربت «الجرورة» بمختلف انواعها. المادي والروحي. غير ان «جرورتك»هي عصا الجرورات، التي التهمت كل إرث ا«الجرورات الذي جربته في هذا العمر الذي جررته خلفي علي ما تسنن من صخور الواقع، واشواك سدره.كونك يا صديق حملتني ديناً يصعب الإيفاء به ، كما يصعب الغضُّ عنه. كونه يظل حاضراً كلما صحوت، او كلما انتبهت، هي لحظات الحياة الحقيقية وهي جديرة بحضورك فيها.
الفاضل ان الكتابة التي اجريها هنا او هناك ؛ هي بقية ما في القلب. ولكني يا فاضل خارج هذه الكتابة، شخصٌ شديد الرهافة والخفة تجاه «المَحَنَّة» ، حتي انني في مواجهتها لا يرجرني الشيب، واعود طفلاً بكل ما في هذا العمر من جمال وبراءة.
في الكتابة ابدو شخصٌ آخر؛ حتي انني عندما اعيد قراءة ما كتبت اتساءل ( ان كنت فعلاً انا الذي كتب كل ذلك الشئ. وعندما يقرظ احد ما كتبت؛ حتي لو كان صادقاً اتلفت حولي،فربما كان هذا التقريظ يخص شخصاً آخر، وانا صادق كل الصدق في هذا الاحساس.
فعلاً يا الفاضل ، تدور فكرة الكتابة في رأسي،واتركها هناك ، ترعي علي مهلها، لغة واخيلة، وحين تحين لحظة الكتابة ؛ والتي لا اعرف متي تحين، اتخير المدخل وكيفية المعالجة . قد تمتد هذه المرحلة.
وفي لحظة الكتابة ، آبدأ هكذا:مسند ابيضٌ امامي. ومسند آخر بين كتفي، ووسيط الكتابة في يميني. ( بالمناسبة يا فاضل ، مازلت مغرماً بالكتابة علي الورق،. ملمسة، ورائحته ، وكوني مسيطر علي القلم بين الوسطي والسبابة والإبهام، احس كأني اسيطر علي كوني الكتابي تماماً. بدأ بحرف، يتبعه حرفُ، تولد كلمة، تتناسل الكلمات والحروف فيتشكل كون مبصور مرقوم.وقد اغيب عن حولي تماماً. وهكذا يسير الامر، حروف متصلة ومنفصلة. ثم كلمات واخيلة، وصور كتابية ، احرص لي تماسكها وقدرتها التعبير عن ما اريد قوله. حين يكون هناك نتوءٌ في الجملة او في الصورة ارتجُّ كلي .
كثير من النصوص يا الفاضل تجري هكذا: ابدأ بعد مرحلة التحضير الذهني تلك ، الكتابة، ولا اترك القلم إلا بعد ان اشعر ألاّ مزيد، ونادراً ما اعدل ذلك.حتي ان كتابة «سبابة وقافلة وترجمتها محاولة لتصريف فعلٍ ماضٍ» كتبت «بالكرنداش» علي ورقة سجاير روثمان كنج سايز، ليس كلها، ولكن مدخلها المسمي« نشيد المفازة» حدث ذلك عنابر الغربيات بسجن كوبر منتصف 1975م من القرن الماضي. كنت ادفع ضريبة متواضعة من نصيبي في الدفاع عن وطن متخيل.
وفي يونيو 1976م ، منتصفه تقريباً خرجت من المعتقل، وفي منزل الصديق العالم الشيخ محمد الشيخ بامدرمان كتبت كل السبابة في جلسة واحدة ، كنت بعمر السابعة والعشرين، وحتي طباتها عام 2008م لم اضف إليها إلا النص البصري.
نعم يا صديق، وكأن وصيتك اجاتزت إليَّ المدي الزمني والمكاني، وانت في مهد الكتابة، وانا اعمل بها . انا فعلاً اكتب علي كيفي، ات اشترط قارئاً لكتابتي، ولا اقسر كتابتي علي ما لاترضاه. وكثيراً ما اواجهة اسئلة نقص القادرين عن التمام: لماذا لا تكتب ما يفهم؟ فاستدعي من مدخل القرن التاسع الهجري، صديقي البحتري في رائيته الشهيرة والتي مطلعها :
«في الشّبِ زجر له لو كان ينزجرُ وواعـظُ منـه لـولا آنه حـجر
والتي في متنها الإجابة عن السؤآل الحداثي، بصورة مفحمة:« .. .. وما علينا إذا لم تفهم البقر»
انا يا صديق، مضاد لقانون الـ (spoon feeding) والذي اورثنا كل قبائلالكسل والذ بمقتضاه شحنت رؤوسنا بكل غث وفاسد، مما ضيق في عقولنا مساحات النقدوالتجاوز، وطردنا من جنة الخيال،. انا مضاد لهذا القانون الجائر والذي تشيد عليهكل انظمة الاستبعاد والاستعباد، المتجة للانظمة الشمولية. ان اتكلم علي العموم يا صديق وهذا ما يشعرني بالتقصير في واجبي الوطني ، حتي اتصور ان كل ما يجري للوطن يجري بتواطئ مني.
هذا القانون الذي انا مضاد له،هو الذي اكسبنا الكسل بكل انواعه، بحيث اصبح اتشوف للامام مهمة شاقة لذهن بارد وكسلان، واصبح كل طموحنا ، وقيل مستقبلنا وراءنا، وقد يمتد هذا الوراء حتي القرن الثالث الهجري!
ما الذي يجري في الوطن ايها الصديق، ؟اليس الذي يحدث والذي يحكمنا هو الوراء في كامل عدته الورائية؟ وهل نحن«.. ما تكونون» ؟ حتي يتولانا مثل هذا «الوراء» نحن يا صديق خارج مناهج رثة،وما زلنا ايها الصديق نقلب اوجهنا في السماء بحثاً عن منقذ وفي داخلنا كل البسطامات؟ ولكننا اكسل من ان نقلب دواخلنا بحثاً عن ما فيها من طاقات خلاقة؟؟!!
والشاهد يا صديق الظلام الذي يسوِّد وجود السودانيينالآن، حدَّ نفي بشريتهم؟
والآخرون يا الفاضل،يملكون الكثير من الحجارة،ولا يجيدون من سبل كسب العيش إلا القذف بكل اواعنه: الحيواني، وذلك الذي يدمي. ليس لديهم إتجاه ولا مرمي، وهذا كل ما ورثوه عن منهج التغذية السهل.
انا لا اخشاهم ايها الصديق، إلا إذا خشيت الريح صعود جبل؟
ايها الجميل ان ظهري له حراشف قاسية، قستها القراءة والكتابة والرسم والصحبة الطيبة. وحين تصلني مثل كلماتك تلك،اصحي اكثر صلابة. بل واصبج منتج صلابة، واضحي اكثر رحابة،وارفه حلماً بغد نتقاسم فيه انسانيتنا المسلحة بالوعي، والمحملة باحلام من لا يستطيعون التعبير عن احلامهم؛ او لا يستطيعون الحلم اصلاً.
الفاضل ايها الحميمكنت جاداً حين حملت نفسي جزءاً من ورز ما يجري للوطن؟كوني شاركت بنشاطفي اول فعل تغييري شعبي في اكتوبر 1964م من القرن الماضي، وانا طالب بمدني الثانوية.
ان دوام القهر، وقانون التواكل جعلنا نستسهل طرائق العمل العام ونظن ان هناك دائماٍ من يحلم نيابة عنا، ومن يتولانا بالرعاية، ويعطل كامل طاقات الفعل عندنا،ويمنحنا كامل طاقات الكسل الذهني، احدثنا التغيير في ذلك الاكتوبر البعيد ، ثم ماذا بعد؟
لم نكن مؤهلين لا معرفياً ولا اخلاقياً لنري غدنا.كنا عمي وهذا ليس ذنب الاخرين إذا استثمروا عماءنا؟ ما كنا نراهيا صديق هو حلمنا مكبر ملايين المرات بفعل البروباقندا الايدلوجية، حتي غامت تفصيل حلمنا ولم نر إلا هيولاه،
انت يا الفاضل لم تشهد مظاهرة القصر التي نظمها المناضل العمالي الكبير الشفيع احمد الشيخ، كانت ساحة القصر عندها تفيض باللون الحمر،حتي ليخيل للناظر انه امام مختصر ناحج لكل الثورات التقدمية في العالم،واهتافات الحمراء التي زحمت الافاق، واجتازتمجالنا الجوي لتسعدي علينا كل قوي التخلف الاقليمية،وقوي اعداء التقدم من رأسمالية مسعورة.
ونمنا بعدها يا صديق، صيداً سهلاً ىأكلنا النوم والايام علي مهلها!
كنا بقراً، اشبه كثيراً باهلنا من قاطني قري النيل الابيض. الذين يعيشون من موسم لموسم،وفي ما بين الموسمين يظلون يقلبون وجوههم في الآفاق[ علّ إلهاً ، يرسل مطراً فيأكلون وتأكل انعامهم]، موفرين كل طاقاتهم البشرية او متناسين لها، اولا يعرفون اصلاً انهم آلهة؟ يحتازون طاقات تميزهم عن انعامهم.
كنا نشبه تمام الشبه آبائنا وكما يفعل جهلاء الظلام ، المنضوين بحكم موقعهم الطبقي الي الاحزاب التقليدية، والذين ينتظرون الإشارة عند الملمات . كنا عند الملمات ننتظر التوجيه الآتي من هناك؟والذي هناك قد يكون بشرآً ممتازاً! إلهاً او..../؟؟؟؟؟؟؟؟. حتي كأن المبادرات لم تخترع بعد، او كأن الفاعليات رهن نتصريح إلهي؟؟؟
صديقيهناك إشارة لي في مقال « شكراً شهدت عصر مصر» وعلي الرغم من تعاملي التحريري معه كنص؟إلا انني اشرت فيه الي تراكم الوعي القادر علي ارتجال الثورات، وتصحيح مساراتها عند ايهث بادرة انحراف كما فعل الشباب المصريون.
إدانة القصور هذه اعنيها تماماً [ترجمها م واجهة الذات]
إ٫ عقلية القذف والتخوين والمروق هي مؤشرات لامراض مزمنة، في حياتنا الثقافية ، وفي فضاء العمل العام. ففي مقالتي « الجانقي والجلابة، صور متبادلة في الواقع والكتابة» حاولت رصد العلاقة المربكة والمرتبكة بين النخبة الجنوبية، والنخبة الشمالية العربإسلامية، كما بين العوام علي الضفتين. ولكن المغالاة في تحقير الآخر وقذفه والإقلال من شأنه، هي سمة سائدة حتي بين المثقفين الشماليين انفسهم، حتي لو كانوا من قبيل واحد؟ وبصورة اقسي من تلك التي بينهم وبين المثقفين الجنوبين ، وان تشدقوا وتظاهروا بغير ذلك.
ربما لا تذكر المعارك المرة التي قادها الشاعر الكبير صلاح احمد ابراهيم من جهة ضد اننانسي [ عبد الخاق محجوب]
وضد رموز عامة اخري والتي كانت تنضح علقماً، وربما تذكر معركة الخاتم عدلان ،عبدالله علي إبراهيم والتي تفيض مرارة حتي بعد رحيل الخاتم ، وكانه الوحيد المطرود من جنة الاثر البائس ( محاسن الموتي) وحتي معارك عبدالله الحالية ، والتي يتلقي فيها الطعنات ويطعن!
لست قلقاً يا صديق. فما دمت اقرأ واكتب وارسم. وهناك من يراني ويقرأني ، فانا علي الطريق ، الصحيح وان كان طريقاً غير ممشيٍّ، ولكنني علي ثقةبان هناك ما شونكثرٌسيجدون ممشاي علي هذا الدرب المخترع.
ان نفسك الابية ابت ان تقبل سوء معاملة خدم المنازل. ولكني ساشركك في ما اسوأ واضل من صور الإستعلاء العربإسلامي.
هناك برنامج تلفزيوني تفدمه قناة النيل الازرق اسمه: «حكايات بيوت» [انظر هذا التصنيف المرزول] اتفت تاقبيلة ، بكل سوءآتها ومعها اتفي العرق بكل لؤمه ليظهر البيت ،؛ من وراء التاريخ المكتوب؟ باعتبره احد تجليات العولمة في نسختها السودانية المشوهة .
في تلك الحلقةتناولت المذيعة،التي ليس فيها من مؤهلات مذيعة التلفزيون إلا ثوبها المتخم بسوء ذوق مصممه والمنفر للرائي والمشتت للتركيز.واعطت الفرصة للمذيع الاوحد لكثرة وازدهار العمي الاذاعي ـ اعني عمر الجُزَلي ليقدم عائلته، معرفاً بها وبدورها التنويري [هههه].
قدم الجزلي والدته منتهيه الصلاحية،وفي تمثيلية قبيحة قبل جبينها،ثم قدم شقيقه وزوجته وزوجة شقيق آخر عائب، ثم قدم شقيقتيهكما اعطي بع ذلك الميكروفون لكل من قدمهم، ليقدموا قبحاً وقمامة!
واخيراً تذكر عمر شخصاً كانت تتحاشاه الكاميرا يمنة ويسرة. شخص صامة.، كأنه تعفف عن الكلام او يتعالي؟ ليقول المذيع الجهبز :(... شقيقتي من ام جنوبية وهي هنا لترعي والدتي . وانتهي التقديم ولولا سانحة تكلمت فيها الشقيقة الجنوبية لتخيلتها خرساء.
ارأيت؟؟؟؟؟؟؟
اليست هذه الصورة دعوة صريحة للتقئ؟؟؟
الفاضل :«تحدث عن نفسك يا صديق كما تهوي..» حين بلغتني هذه الجملة ملأتني زهواً. حتي كأنها المرة الاولي التي اسمع فيهامثل هذا التجمع من المفردات في مكان واحد. بل ودعتني للعناية بها ، حتي داخلني غرور محبب.فقلت: مصحفاً« لو كان البحر مداداً لنفد قبل ان تنفد كلماتي تجاه هذا الودالنادر والمقيم، في قلوب ووعي قلة كثرة من الاصدقاء.
صديقي الفاضل في رسالتك الكثير من الابواب، والتي كلها تفضي الي فضاء الصحبةوبهو الود.فلو تابعت الخول الي كل الابواب لما خرجت ابداً ، انا المشوق للكتابة إليكللوفاء بجزء ولو يسير من دينك المرهق،
كما ان رغبتي في التواصل طقت عليرغبة الدخول عبر كل ابوابك، والتي تقود كلها الي «الرفاقية»
مفتتح كلمتك تلك،بهو شاهق للصدق الذي قد يحملني الي الطرب ويعيد اليّ طفولتي كاملة. وبه اتناسي عمري وما يشير اليه العمر من واجب الحكمة. لم اعد امامك مهتم بالحكمة، قدر اهتمامي بالطرب الذي ملأ الاوردة وفاض هنا في هذه الكتابة إليك.
شكراً للكتابة يا الفضل [ وشكرا لزلة الوسطي التي اسقطت الفاً فصرت اخي ] وهذه ميزه الاخطاء المنتجة.اقول شكراً للكتابة، والتي لولا تزاحمنا وتلامس اكتافنا الكتابية في دروب الكتابة المزدحم بالكتابة واكاتبين، لما تعارفنا وتصادقنا، وكسبنا هذا الخير الصداقي الخيِّر. ولضاع مني كل هذا البهاء .
وشكراً للقراءة لأنها قادتنا الي دروب الكتابة.
شكراً لك يا الفاضل ،لأنك تقرأ وتري ما بعد النظر وتسمع فوق السمع،
كل ذلك قد تم وفق ما يسمي بالصدفة الموضوعية. لالتقيك كان عليَّ ان اقرأ وان ارسم،ثم اكتب، ولاعتدال طرفي المعادلة وجب ان تقرأ وتكتب، وترسم بخامة الابجدية، صوراً عالية الحمولة وافرة الدلالالت.
الفاضل علمني استاذي سعد امير طه ان لا اعتني كثيرا، بالنقطة التي تشير الي الوقف الكامل، كأني به يُأدبني [لا تودع] بل دع الكلام مفتوحاًعلي فضاء«الله» وجهاته،لانه قد يقرر التناسل في غفلة مني، ليكمل ما عجزت المباشرة عن قوله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق