الخميس، 7 أغسطس 2014


 





(فَوْتُ ما بينَ طَرَفِ الخِنصَرِ إِلى البِنْصَرِ)*

أنا أشبهها.‮ ‬وأنا معجبٌ بشبهي‮ ‬لها.‮ ‬ولذلك أنا أمدحها،‮ ‬كونها صحبتني‮ ‬قبل التكوين.‮ ‬لم تضنَّ بي‮ ‬يوماً.‮ ‬لم تتنكر لي‮ ‬يوماً،‮ ‬أدمنت صحبتها، كانت تتسع كلما اتسع بدني‮، ‬لم تغير صوتها ولا ملامحها‮.‬
كرونولوجيا تبعتني‮، ‬حذو الحافر بالحافر‮. ‬أكاد أجزم أنني‮ ‬كرنولوجياً‮ ‬تابع لها، منذ أن كنت ماء  في‮ ‬ظهر جد  سلالتنا  الأكبر،‮ [ود سلمان]، ‬مجهول الوطن؛ ومجهول التاريخ.‮ ‬فربما قذفته إحدى موجات العسف الدموي‮ ‬الذي‮ ‬ضرب موطن السلال الأول،‮ ‬فضربوا في‮ ‬فجاج الأرض بما فيهم ماء جدنا الأكبر،‮ ‬ومنذ أن تشكل جدنا الأكبر بشراً‮ ‬سوياً‮ ‬كان‮ ‬يخبيء لي‮ بصمتي بعناية، كونها الشيء الأصيل المتفرد الذي‮ ‬حرض جدنا الأكبر أن‮ ‬ينقله بأمانة من ظهر إلى ظهر،‮ ‬إلى أن استقر في‮ ‬ظهر السيد احمد علي دفع الله، الذي‮ ‬أودعه وبنفس الحرص والأمانة رحم السيدة المحترمة، حواء عوض الكريم المبروك، التي‮ ‬حرصت حرصها على دمها، أن توصل الوديعة بكل فرادتها إلى الوجود. ومنذ تلك الصرخة الاحتجاجية التي‮ ‬أطلقها ذلك الكائن، بلا اسم وبلا هوية‮ ‬غير بصمته. والذي‮ ‬أُلحق به لاحقاً‮ ‬اسم: النور، فحمله وبصمته أمانةً حرص عليها كل الزمن الذي‮ ‬جره خلفه على شوك الوجود.  فظلَّ اسمه هو هو،‮ ‬وعبر كل المزالق.  ‬ظل حريصاً‮ ‬على أن لا‮ ‬يخذل السيد أحمد علي‮ ‬دفع الله الذي‮ اورثه من ضمن ما اورثه ذلك الاسم . السيد أحمد علي‮ ‬حين أطلق اسم النور،  لم‮ ‬يكن منتبهاً‮  ‬إلى فحوى ذلك الاسم. بل ولم‮ ‬يكن أصلاً‮ ‬يهتم بالفحوى‮. ‬كون وجوده لم‮ ‬يسمح له برفاهية أن يفكر اصلاً،  ولكن اسماه النور تيمناً بشبح طريقته والذي‮ ‬ينتسب له من جهة أمه مدينة بت فرح،  هو الشيخ النور والشيخ السماني‮ «راجل ريبة» ‬وذهب مطمئناً‮ ‬إلى أنني قد ارث تقوي جده،‮ ‬وقد أصبح شيخاً‮ ‬من شيوخ العرشكول،  ولكنني‮ ‬حافظت علىه [الاسم] كوديعة مثلما حافظت على بصمتي‮.‬
أقول كانت بصمتي تتسع بقدر اتساع  بدني،‮  ‬فإذا جرحت في‮ ‬أيٍّ‮ ‬من الأطراف المبصمة فهي تتأذى كما بدني،‮  ‬ولكنها ومهما كان حجم الجرح وعمقه،  فإنها تكون أحرص مني‮ ‬في‮ ‬أن تعود سيرتها الاولي، لا تبدل تبديلاً،‮ ‬وتعود كأن لم‮ ‬يمسسها جارح‮.‬
إذا مشيت فهي‮ ‬هناك تدل على أثرى وإذا كدحت،  فهي‮ ‬شريكة لدمي،‮  ‬فإذا كتبت أخالها تندلق نازلة على هيكل القلم أو الفرشاة لتكون مُساهمة في‮ ‬ما أكتب وفي‮ ‬ما أرسم‮.‬
وإذا أكلت فهي‮ ‬تطبع كل لقمة أتناولها،  حتى كان بدني‮ ‬يتشكل مما آكل ومن بصمتي‮، [‬رحيق بصمتي‮ ‬المتخيل]‮.‬
هي‮ علي ‬صفحات كل الكتب التي‮ ‬قرأتها،‮ ‬والتي‮ ‬اقتنيتها ولم أقرأها، لأن من عاداني‮ ‬مع الكتب أن اتصفحها أولاً‮ ‬بدأ من عنوان الكتاب، فالكاتب، فمقدمة الكتاب، ونظرة إلى فهرسه. إذاً‮ ‬بصمتي‮ ‬كانت تصحبني‮ ‬في‮ ‬كل ما أعمل هي‮ ‬على كل خيط من خيوط ملابسي .‮ ‬بل واجزم أن كل بدني‮ (‬اديمة‮) من  بصمتي‮ ‬من كثرة ما فعلت به دلكاً ومسحاً‮.‬
أكواب الشاي‮ ‬وملاعقه، وأطباق الأكل، وأكواب الماء كلها عليها بصمتي‮ ‬وأن لم انتبه‮.‬
في‮ ‬بعض الاحيان أحسها تحادثني‮ ‬إذا نويت أن ارتدي‮ ‬ملابسي أو إذا نويت الاستحمام‮.‬
أحياناً‮ ‬ابسط أطرافي‮ ‬القابلة للبسط وأتأملها علِّى اقرأُ القراءة التي‮ ‬تسكن  بصمتي.‮ ‬احاول تتبع تلك الخطوط المتداورة  عَلِّى اعثر سمة الفرادة. ‬وكونها ماكرة في‮ فرادتها وحريصة عليها فهي تتمنع فيتعب بصري‮ ‬عن ملاحقة الانحناءات والاستدارات التي‮ ‬تشكلها تلك الخطوط،‮ ‬فيكل بصري‮ ‬واقنع أن لا فائدة من تقصي‮ ‬كينونة بصمتي.‮ ‬وعلى الرغم من أنني‮ ‬اجهل الكثير عن هيئتها إلا أنني‮ ‬امدحها‮.‬
معذرةة بصمتي‮ ‬أن كنت لم اتفكر فيك إلا اليوم‮.‬
ولكنك كنت دوماً‮ ‬تحت النظر‮.‬
تراوغينني إذا ما حاولت التعرف اليك بأكثر مما‮ ‬يتيح وعيى. أنت في‮ ‬هذه اللحظة شريكة فيما اكتبه عنك‮.‬
اشكرك على الصحبة النقية المنمازة.



* او مشي اصابعي على ايِّ مسند.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق