(فَوْتُ ما بينَ طَرَفِ الخِنصَرِ إِلى البِنْصَرِ)*
أنا أشبهها. وأنا معجبٌ بشبهي لها. ولذلك أنا أمدحها، كونها صحبتني قبل التكوين. لم تضنَّ بي يوماً. لم تتنكر لي يوماً، أدمنت صحبتها، كانت تتسع كلما اتسع بدني، لم تغير صوتها ولا ملامحها.
كرونولوجيا تبعتني، حذو الحافر بالحافر. أكاد أجزم أنني كرنولوجياً تابع لها، منذ أن كنت ماء في ظهر جد سلالتنا الأكبر، [ود سلمان]، مجهول الوطن؛ ومجهول التاريخ. فربما قذفته إحدى موجات العسف الدموي الذي ضرب موطن السلال الأول، فضربوا في فجاج الأرض بما فيهم ماء جدنا الأكبر، ومنذ أن تشكل جدنا الأكبر بشراً سوياً كان يخبيء لي بصمتي بعناية، كونها الشيء الأصيل المتفرد الذي حرض جدنا الأكبر أن ينقله بأمانة من ظهر إلى ظهر، إلى أن استقر في ظهر السيد احمد علي دفع الله، الذي أودعه وبنفس الحرص والأمانة رحم السيدة المحترمة، حواء عوض الكريم المبروك، التي حرصت حرصها على دمها، أن توصل الوديعة بكل فرادتها إلى الوجود. ومنذ تلك الصرخة الاحتجاجية التي أطلقها ذلك الكائن، بلا اسم وبلا هوية غير بصمته. والذي أُلحق به لاحقاً اسم: النور، فحمله وبصمته أمانةً حرص عليها كل الزمن الذي جره خلفه على شوك الوجود. فظلَّ اسمه هو هو، وعبر كل المزالق. ظل حريصاً على أن لا يخذل السيد أحمد علي دفع الله الذي اورثه من ضمن ما اورثه ذلك الاسم . السيد أحمد علي حين أطلق اسم النور، لم يكن منتبهاً إلى فحوى ذلك الاسم. بل ولم يكن أصلاً يهتم بالفحوى. كون وجوده لم يسمح له برفاهية أن يفكر اصلاً، ولكن اسماه النور تيمناً بشبح طريقته والذي ينتسب له من جهة أمه مدينة بت فرح، هو الشيخ النور والشيخ السماني «راجل ريبة» وذهب مطمئناً إلى أنني قد ارث تقوي جده، وقد أصبح شيخاً من شيوخ العرشكول، ولكنني حافظت علىه [الاسم] كوديعة مثلما حافظت على بصمتي.
أقول كانت بصمتي تتسع بقدر اتساع بدني، فإذا جرحت في أيٍّ من الأطراف المبصمة فهي تتأذى كما بدني، ولكنها ومهما كان حجم الجرح وعمقه، فإنها تكون أحرص مني في أن تعود سيرتها الاولي، لا تبدل تبديلاً، وتعود كأن لم يمسسها جارح.
إذا مشيت فهي هناك تدل على أثرى وإذا كدحت، فهي شريكة لدمي، فإذا كتبت أخالها تندلق نازلة على هيكل القلم أو الفرشاة لتكون مُساهمة في ما أكتب وفي ما أرسم.
وإذا أكلت فهي تطبع كل لقمة أتناولها، حتى كان بدني يتشكل مما آكل ومن بصمتي، [رحيق بصمتي المتخيل].
هي علي صفحات كل الكتب التي قرأتها، والتي اقتنيتها ولم أقرأها، لأن من عاداني مع الكتب أن اتصفحها أولاً بدأ من عنوان الكتاب، فالكاتب، فمقدمة الكتاب، ونظرة إلى فهرسه. إذاً بصمتي كانت تصحبني في كل ما أعمل هي على كل خيط من خيوط ملابسي . بل واجزم أن كل بدني (اديمة) من بصمتي من كثرة ما فعلت به دلكاً ومسحاً.
أكواب الشاي وملاعقه، وأطباق الأكل، وأكواب الماء كلها عليها بصمتي وأن لم انتبه.
في بعض الاحيان أحسها تحادثني إذا نويت أن ارتدي ملابسي أو إذا نويت الاستحمام.
أحياناً ابسط أطرافي القابلة للبسط وأتأملها علِّى اقرأُ القراءة التي تسكن بصمتي. احاول تتبع تلك الخطوط المتداورة عَلِّى اعثر سمة الفرادة. وكونها ماكرة في فرادتها وحريصة عليها فهي تتمنع فيتعب بصري عن ملاحقة الانحناءات والاستدارات التي تشكلها تلك الخطوط، فيكل بصري واقنع أن لا فائدة من تقصي كينونة بصمتي. وعلى الرغم من أنني اجهل الكثير عن هيئتها إلا أنني امدحها.
معذرةة بصمتي أن كنت لم اتفكر فيك إلا اليوم.
ولكنك كنت دوماً تحت النظر.
تراوغينني إذا ما حاولت التعرف اليك بأكثر مما يتيح وعيى. أنت في هذه اللحظة شريكة فيما اكتبه عنك.
اشكرك على الصحبة النقية المنمازة.
* او مشي اصابعي على ايِّ مسند.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق