الاثنين، 29 نوفمبر 2010

رسالة الي استاذي بولا

الصديق بولا
       كلت روحي، وانا انقر باب «الغنا اللنسدَّ» /تقرأ الكتابة . وكان انسداده نتيجة لاغبان شخصية، تراكمت عبر الزمن المهدر من حياتي، وفشلت في منع هذا التراكم او إزالته .
       من قال ان الكلام مائدة الله؟ فقد صدق .
       اكتشفت اثناء انسداد باب /الغنا / الكلام، ان الاقبال علي هذه المائدة بنصف شهية، يجعله  كالادبار. دعك ان كانت الشهية عمياء .
       ولكن لايأس مع الكتابة. وجدت باب العلامات « متاكيً » فدخلت منه. اعني علامات الترقيم، قبل انزياحاتها ومجازاتها. قلت لنفسي: هذا كم مهمل من المبصورات المرقومة، منذ ان اقعدها علماء التقعيد(اعني اقعدها)
       وعلي مدخل مأوي العلامات التقيت السيدة الفاضلة الفاصلة. قلت اسألها، لعلَّ عندها لي خبراً.
       ايتها السيدة كيفك ؟
       كما تري، لست بخير، مقعدة وشبيهة بـ«ديك البطانة»-سأحدثك لاحقاً عن سبب هذا التشبيه السوداني المحض- ولكنني مقعدة، كما تري، حتي لا اكاد الحظ، فأنت حين تناديني لا استطيع ان اجيبك.لان المهمة التي اوكلها لي علماء التقعيد هي: ان لا ابدي زينتي إلا لحظة النداء البشري، او حين تشتبك غابة الابجدية، فتوجد لحظتها مهمة جدُّ متواضعة،هي الوقف المشروط لفك اشتباك الكلام .هذا فقط حين يتعلق الامر بالرقم . اما ما عدا ذلك فانا زائدة عن الحاجة، او هكذا فعل بي علماء التقعيد، بعد ان عبثوا بتاريخ شجرة عائلتي، وتركيبتها الجينية.
       هل سمعت احداً يذكرني، او يعتبرني حين يتحدث، خاصةً بعد الانفجار الكوني الخاصة بتعدد وسائط الاتصال الكلامي. لا احد يعتبرني في التلفزيون، او في التلفون، او في الراديو، او في السينما، ابداً،
       هناك البعض من قبائل العلامات قد تلحظها من طريقة المتكلم، او من نبرة صوته، اما انا فلا احد يلحظني، او يهتم ان يلحظني.
       لقد طلبت مني التحدث عن نفسي. انا يا صديقي إشارة ضوئية جانبية في شوارع الكلام، لا استطيع ان امنعك السير داخل غابة الكلام، او حتي اسمح لك بالمرور، هكذا غاية السلب! انا فقط لحظة ان تلحظني ثم تمضي، ودون حتي ان يشكرني احدعلي هذاالدور الغامض والمبهم الذي اوكل اليَّ.
       ماذا يحدث لو لم اكن موجودة ؟ هل سيضطرب عالم اللغة ؟ او تهتز دنيا الكلام ؟ لا اظنُّ ذلك سيحدث . هناك الآلاف من الكلمنجية والكتبنجية، لا يأبهون بي، ولا يلقون عليَّ مجرد التحية، ومع ذلك يمشي كلامهم في دنيا الكلام مُسَبَّحَاً بحمده، من دون ان تنزعج قبيلة الكلام ، ولا المتعاملون معها.
       اعذرني علي التشجن، فانا مغبونة، وظللت انتظر من يسألني هذا السؤآل قروناً عدة، وكنت دائمة السؤآل عن قيمتي وجدواي. ثم نظرتني في المرآة، وتساءلت عن جذور عائلتي الجينية.
       لقد اكتشفت خرابا لحق بجينات عائلتي ادي الي مسخها الي هذا الشكل المقعد الذي تراه، والمسؤليات الضامرة التي اتولاها في دنيا الكلام.
       وهنا مناسبة للعودة لمثل «ديك البطانة» الذي ذكرته لك سابقاً. فقد اكتشفت من خلال تتبعي لجذوري التكوينية، انني كنت واواً، وحين احتاج علماء التقعيد الي التشريح الذي ارتكبوه لصالح ما يزعمون انه ذا فائدة رقمية عالية، ارتكبوا هذه الجريمة. فبدل ان يطوروني قزموني، وقلبوني كما فعل البطانيون بديكهم، وحكايته معروفة. هذا ما حصل معي . قزموني، وقلبوني، وقلصوا مهامي، حتي تتواءم مع الهيئة الجريمة التي حولوني اليها، بعد ان كانت مهامي الكتابية ،قبل الجريمة، واسعة ومتعددة، عندما كنت واواً.
       هل اقتنعت بهذه الجريمة التي ارتكبت في حقي؟
       حسنآً، كبرني قليلاً ، ثم اقلبني من الاعلي الي الاسفل ، ثم اقلبني من اليسار الي اليمين، لتتأكد ان اصلي واواً. ومهامي عديدة،       
       عندما كنت واواً، كنت عاملاً عضوياً ضمن قبيلة الكلام، كنت قادراً ان اجر الشمس والكواكب، وقبائل الله الخاملة، الي جذوة النار، ليصطلوا، او ليحترقوا. كنت قادراً علي جرِّ وادي النيل من الشمال الي الجنوب، وجرِّ الحرائق حيث تكون فاعلة في الخمول، كنت قادراً ايها الصديق، علي جرِّ الكلام من مهاد النوم الي فضاء الحركة والضجيج ، وقادر علي مسامرة الاطفال حتي لا يناموا !
       انا يا صديق، اتعلق بالزائد من الفوضي، والغامض من موائدها المشبوهة. كنت قادراً علي اصطحاب الليل في رحلاته الماكرة. وقد اصطحب الحقَّ والمستلب . وقد انصب المشانق حين استوي في حقل المجاز.
       هل تصدق انني قد اصطحب الماء، والغابة، والنهر، والاحلام الحامحة . وقبائل المارقين الي حيث يستوي الخلق علي جادة الحق؟
       كما كنت استطيع ان اعطف «يقوم» علي « الجبل » ليصبح القيام فريضة عين علي كل هرم الكائنات، بدءآً من الجماد الصلد الي الحي المتحرك.
       كنت استطيع ان اعطف كل الذي قيل علي كل الذي لم يقل كجملتين  قادرتين علي فك عقدة الكلام، وإطلاقه في دنيا الناس فاعلاً،كما فعل بي ذلك علماء التقعيد حين منحوني لقب واو فاعلة، ثم عادوا واقعدوني مَقعد مُقعدْ، علي هيئة اطلقوا عليها فاصلة، كما رأيت.
       استاذي بولا
مازال في النفس شئ من هذه العلامة،«الفاصلة  وتحولاتها» مروراً بكل العلامات، وصولاً للعلامة الفارقة في تاريخ الثقافة السودانية المعاصرة، والمرشحة لان تبقي طويلاً، وتثير جدلاً حاراً، انه انت انت ايها العزيز بولا، احدي علامات الحياة وسط موات الثقافة السودانية.
سأعود لملاحقة بقية العلامات، اتصور ان لكل منهاما تود ان تقوله.
هاانذآ انقروبقوة باب «الغنا اللنسد»
       تقبل مودتي
النور احمد علي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق